الكاردينال بولجيتش: الحوار والتضامن وحدهما قادران على إيجاد حلول للصراعات المسلحة
لمناسبة الذكرى السنوية الثلاثين للحرب البوسنية، التي بدأت في آذار مارس ١٩٩٢ وانتهت في كانون الأول ديسمبر ١٩٩٥، أجرت وكالة سير الكاثوليكية للأنباء مقابلة مع الكاردينال Vinko Puljic الذي كان رئيس أساقفة على ساراييفو من تشرين الثاني نوفمبر ١٩٩٠ وحتى كانون الثاني يناير من هذا العام، وكان شاهداً على تلك الحقبة الأليمة. قال نيافته إنه لا يستطيع ألا يفكّر بالحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا التي تشبه إلى حد بعيد ما شهدته البوسنة لثلاثين سنة خلت، حيث تعرضت المدن للحصار والقصف الوحشي. وقال إن الأحداث في كييف، ليوبولي، خاركيف، ماريوبول وأوديسا كأنها تكرار لما جرى في ساراييفو، موستار، بانيا لوكا، سريبرينيتسا وغيرها من المدن البوسنية. أكد الكاردينال بولجيتش أنه ما تزال حية في ذهنه ذكريات الحصار الذي فُرض على ساراييفو، كما أنه يتذكّر النداءات العديدة التي أطلقها من أجل السلام ونهاية العمليات العسكرية. وقال إنه يتألم جدا حيال ما يجري اليوم في أوكرانيا، التي وقعت ضحية القوى العظمى، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، على حد تعبيره، مضيفا أن الشعب الأوكراني يدفع ثمن تلك المواجهة. إن ما حصل بالأمس يتكرر اليوم، وكأنه شريط فيديو يُعرض مجددا ليُخبر عن مجازر ومقابر جماعية وعمليات اغتصاب، فضلا عن تشريد آلاف الأشخاص، بسبب عمليات التطهير العرقي. في البوسنة قُدر عدد ضحايا الحرب بأكثر من مائة ألف شخص، بينهم أربعون ألف مدني، وتحت حصار ساراييفو، وصل عدد الضحايا إلى أحد عشر ألف وخمسمائة. تابع نيافته حديثه لوكالة سير وعاد بالذاكرة إلى الاستفتاء الشعبي حول استقلال البوسنة والذي جرى في الأول من آذار مارس ١٩٩٢، وعارضه القوميون الصرب والبونسيون الذين لم يشاؤوا الانفصال عن بلغراد. وقال الكاردينال بولجيتش إن البوسنيين اختاروا الاستقلال بأكثر من ستين بالمائة من الأصوات، وهي نتيجة أثارت امتعاض بلغراد، وسرعان ما تحولت التهديدات بالحرب إلى واقع بعد اعتراف الجماعة الدولية باستقلال البوسنة، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وأضاف نيافته أن بلغراد فكرت بشن حرب خاطفة، لكن هذا لم يحصل. مضى بولجيتش إلى القول إن الحرب لم تنته إلا في تشرين الثاني نوفمبر ١٩٩٥، مع التوقيع على اتفاقات دايتون، والتي تمخض عنها كيانان مستقلان داخل البوسنة والهرسك، هما الاتحاد الكرواتي المسلم والجمهورية الصربية. واعتبر أنه بهذه الطريقة تم "تشريع" التطهير العرقي. وضمن هذا الاتحاد أصبح المسلمون البوسنيون الأغلبية، فيما صار الكرواتيون الكاثوليك أقلية. وهذا الوضع ما يزال يشكل لغاية اليوم مصدر توتر وانعدام الاستقرار. ورأى رئيس أساقفة ساراييفو الفخري أن اتفاقات دايتون لم تؤد إلى سلام مستقر وعادل، لأنها لم تسوّي بين مختلف المكونات والأقليات القومية المتواجدة على أراضي البلاد. ولفت نيافته إلى أن التأثير الروسي القوي على الجمهورية الصربية جعل من انضمام البوسنة والهرسك إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي مشكلة كبيرة، معتبرا أن توسع الاتحاد باتجاه دول البلقان هو أمر طبيعي، لأن منطقة البلقان تنتمي إلى أوروبا. وختم الكاردينال بولجيتش حديثه لوكالة سير مؤكدا أن خبرة حصار ساراييفو، الأطول في التاريخ المعاصر، علّمته أن الطريقة الوحيدة الكفيلة بإيجاد حلول لكوارث من هذا النوع، تتسبب بها الأسلحة، تبقى الحوار المرفق بالتضامن. |