البطريرك الماروني: البلاد بحاجة إلى هدوء واستقرار نفسي. أوقفوا الانتقامات والأحقاد والكيدية!
في عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي "الأمانة والحكمة فضيلتان ينبغي أن يتحلّى بهما الكاهن. فالأمانة هي أمانة للحالة الكهنوتية وفضائلها وروحانيتها ومسلكها؛ وأمانة للموكّل، المسيح الرب الذي دعاه لصداقته وواجب تتميم إرادته وتلبية دعوته؛ وأمانة للجماعة الموكولة إلى عنايته، ليقدّم لها الطعام المؤتمن عليه، وهو كلمة الله، ونعمة الأسرار، وخبز جسد الرب ودمه، وعطية الروح القدس. والحكمة هي حسن التصرف في أداء واجب الوكالة، بحيث لا يلحقه لوم من سيده أو من الجماعة الموكولة إليه. الحكمة هي أولى مواهب الروح القدس السبع التي ذروتها مخافة الله: "رأس الحكمة مخافة الله"(سيراخ 1: 16): ما يعني أن موهبة الحكمة هي التصرف الدائم بهدف مرضاة الله، والانتباه الكامل لتجنّب الإساءة إليه".
ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، أشار غبطته أيضا إلى أن "الأمانة والحكمة فضيلتان أساسيتان في حياة الزوجين والوالدين. أمانتهما هي لعهدهما مع الرب، وبينهما، وإسعاد الواحد الآخر، وإنجاب الأولاد وتربيتهم وإعالتهم. والحكمة هي مرضاة الله، والثبات في الأمانة عبر الأفعال والتصرّفات والمبادرات، ولو كثرت مصاعب الحياة الزوجية والعائلية، أكانت من الداخل أم من الخارج".
كما وأكد البطريرك الراعي أن "الأمانة والحكمة فضيلتان أساسيتان أيضًا في حياة كل مسؤول سياسي يتعاطى الشأن العام. فالأمانة هي الولاء للدولة وحماية الدستور والميثاق الوطني، والالتزام بتأمين الخير العام، الذي منه خير كل مواطن وخير جميع المواطنين. والحكمة هي في المحافظة على الهدوء والاستقرار الداخليّ في البلاد والنمو الاقتصادي بكل قطاعاته، والتنمية البشرية والاجتماعية، وإحياء أوسع شبكة تعاون مع الدول لخير البلاد، وتعزيز سيادة الدولة في الداخل وفرض احترامها وهيبتها، واحترام سيادة الدول الأخرى".
وأضاف غبطته يقول "في ضوء هاتين الفضيلتين، الأمانة والحكمة، لا يمكن القبول بممارسات عندنا تطيح بالمؤسسات الدستورية.
ـ فمن غير المقبول الإطاحة باستقلالية القضاء وهيبته وكرامته. فبعض القضاة يفقدون استقلاليتهم ويخضعون للسلطة السياسية وينفّذون توجيهاتها من دون تقدير خطر هذه الممارسات على مصلحة لبنان العليا. فلا بد من رفع الصوت بوجه السلطة السياسية لترفع يدها عن القضاء، وتحترم فصل السلطات، وبوجه بعض القضاة الذين يسيئون إلى رسالة القضاء واستقلاليته بتلوينه السياسي والطائفي والمذهبي، وبجعله غب الطلب، ما يوقع القاضي في حالة الشبهة.
ـ إنّا نهيب بالمرجعيات القضائية العليا بأن تخرج عن تردّدها وتضع حدًّا لــــ "الجزر القضائية" داخل القضاء. نحن نطالب بمحاكمة جميع الفاسدين الذين بدّدوا المال العام وأوصلوا البلاد إلى الانهيار السياسي والاقتصادي والمالي، لا أن تنتقي السلطة شخصًا واحدًا من كل الجمهورية وتلقي عليه تبعات كل الأزمة اللبنانية وفشل السنوات الثلاثين الأخيرة. هذا أفضل أسلوب للتغطية على الفاسدين الحقيقيين وتهريبهم من وجه العدالة، وأقصر طريق لضرب ما بقي من النظام المصرفي اللبناني، وتعريض بعض المصارف للإفلاس، وضياع أموال المودعين. ينبغي التنبه إلى مخطّط يستهدف استكمال الانهيار.
ـ ومن غير المقبول التلاعب بالموعد المحدد لإجراء الانتخابات النيابيّة في 15 أيّار المقبل، وهي ضمانة للانتخابات الرئاسية في تشرين الآتي. إنّنا نشجب كل محاولة لإرجاء الانتخابات باختلاق أسباب غير دستورية أو سواها تولّد عدم الثقة في نفوس اللبنانيين، ويتساءلون:" في انتخابات؟!"، فيما موعد إجرائها على مسافة شهرين. فليتذكّر النواب أنهم موكّلون من الشعب اللبناني الذي وكّلهم فلا يحق لهم تجديد وكالتهم بمعزل عن الشعب (راجع الدستور: المقدّمة، د؛ والمادة 27)".
وقال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته "فيا أيها المسؤولون السياسيون: أوقفوا اختلاق الأخبار والإشاعات والإساءات! البلاد بحاجة إلى هدوء واستقرار نفسي. أوقفوا الانتقامات والأحقاد والكيدية! أوقفوا ضرب مؤسسات معينة الواحدة تلو الأخرى في إطار مخطّط انقلابي يستهدف أصلًا إسقاط الدستور والميثاقية والأعراف في مؤسسات الدولة! أوقفوا الإضرار بسمعة لبنان والنقد اللبناني والمصرف المركزي والجيش والقضاء، وهي ثلاثية الاستقرار والأمن والعدالة! ليس كذلك يتم التفاوض مع صندوق النقد الدولي والدول المانحة، وليس كذلك تعيدون أموال المودعين إلى أصحابها، وهي أصلًا ديون على الدولة يتوجب عليها إيفاؤها، وهي أولوية الأولويات ولا حل من دون إيفائها. فإذا ضبطت الدولة مداخيل الجمارك في المطار والمرافئ والحدود، وإذا استثمرت ممتلكاتها، استطاعت إيفاء ما عليها من ديون، فتعود للمواطنين ودائعهم".
وتابع غبطته قائلا "وإذ نقرّ بأنه حق جوهري وديمقراطي أن تطالب الفئات النقابية والاجتماعية والمهنية بحقوقها وأموالها، وأن تَحتج وتتظاهر وتتجمع، لكن لا يحق لأحد أن يقطع الطرقات الرئيسية أمام المواطنين فيأخذهم رهينة؛ ويقطع بأرزاقهم، ويعطّل الحياة العامة، ويَمنع الطلّاب من التوجه إلى المدارس، والموظفين إلى مؤسساتهم، والمرضى إلى المستشفيات، والمسافرين إلى المطار، ويشل الحركة التجارية والاقتصادية. ألا يكفي الناس تشردًّا وعذابًا وشقاءً وجوعًا وفقرًا وأمراضًا وأوبئة وقلّة موارد وشحّ محروقات؟
وختم البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عظته مترئسا قداس الأحد قائلا "إلى العناية الإلهية نكل حالتنا وحالة وطننا، وكلّنا رجاء بأن الله يريد أن نعيش في الطمأنينة والسلام. له المجد والتسبيح، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".