البطريرك الماروني: نحذر من أي محاولة لإرجاء الانتخابات تحت ذرائع غير منطقية وغير وطنية
قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في مستهل عظته مترئسا قداس الأحد "فيما نحتفل ليتورجيًّا بزيارة مريم لأليصابات، نحتفل أيضًا مع جمعيّة كشافة الاستقلال بيوبيلها الذهبي، فقد تأسّست ليلة عيد الاستقلال في 21 تشرين الثاني 1971 في المعهد الأنطوني- بعبدا، ببركة الرهبانية الأنطونيّة المارونيّة. فيسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيا الإلهيّة. فنلتمس هبة الإيمان الذي تميّزت به سيّدتنا مريم العذراء، إذ قبلت كلام الله على لسان الملاك بطاعة كاملة، وجسّدته أفعال خدمة لنسيبتها أليصابات الحامل والتي حيّتها "طوبى لتلك التي آمنت أنّه سيتمّ ما قيل لها من قبل الربّ" (لو 1: 45). ونهنّئ جمعيّة كشّافة الاستقلال بيوبيلها الذهبيّ، ومعها نشكر الله على الخمسين سنة التي ملأها بنعمه الغزيرة والمتنوّعة، بفضل التوجيه الروحيّ من آباء وراهبات الرهبانيّة الأنطونيّة الجليلة. ويسعدني أن أحيّي راعي هذه الجمعيّة ورئيسها الفخريّ قدس الرئيس العام الأباتي مارون أبو جوده ممثلا بحضرة النائب العام الأب مارون بو رحال، كما أحيي مرشدها العام الأب إيلي الدكاش".
ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، وفي إشارة إلى إنجيل هذا الأحد، قال البطريرك الراعي في عظته "إنّ إنجيل زيارة مريم لإليصابات هو إنجيل الإيمان والروح القدس: فمريم بإيمانها قالت "نعم" لبشارة الملاك معلنة نفسها "خادمة للربّ"، ومكرّسة كلّ ذاتها لخدمة التصميم الإلهيّ. وجسّدت هذا الإيمان في خدمة نسيبتها أليصابات طيلة ثلاثة أشهر حتى مولد يوحنا. وبنتيجة الزيارة الإيمانيّة، ويسوع جنين في حشاها، حلّ الروح القدس على الجنين يوحنّا بعلامة تحرّكه ابتهاجًا في بطن أليصابات، فتمّت نبوءة الملاك لزكريا أبيه: "ويمتلئ من الروح القدس وهو بعد في حشا أمّه" (لو 1: 15). كما حلّ على أليصابات أمّه فتنبّأت: أنّ مريم مباركة بين النساء، وأنّ الجنين الذي في حشاها هو الربّ. فحيث يسوع، هناك الروح القدس. نحن نؤمن عندما نلتقي الله كشخص، ونخاطبه بكلمة "أنت"، ونلجأ إليه مثل طفل يعرف تمامًا أنّ كلّ صعوباته ومشاكله تتبدّد بحضور أمّه، ويدعوها "أنت". الإيمان المسيحيّ هو تسليم الذات لله مع الشعور واليقين بأنّه يسندنا ويعضدنا. وهو يقين يُحرّرنا ويحملنا على إعلان الانجيل بالكلمة وشهادة الحياة، ولو وجدنا من الغير الرفض وعدم الاكتراث أو حتى الهزء". وأضاف غبطته "يتّضح لنا من لقاء الأميّن والجنينين أنّ الجنين في بطن الأمّ كائن بشريّ كامل الحقوق وأوّلها الحياة. الجنين في بطن مريم منذ اللحظة الأولى هو يسوع المسيح العتيد أن يولد، وكذلك الجنين في بطن إليصابات منذ ستّة أشهر هو يوحنّا المعمدان الذي سيولد. هذا يعني أنّ كلّ كائن بشريّ يتكوّن في حشا أمّ هو منذ اللحظة الأولى للحبل به، معروف ومحبوب ومُراد من الله، وله مكانه ودوره في تاريخ الخلاص. لذا فإن الاعتداء على الجنين هو تمامًا كالاعتداء على أيّ شخص وعلى الله سيّد الحياة والموت وحده. وبالتالي الإجهاض وإتلاف الأجنّة جريمة قتل".
وفي عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي "عالمنا عامّة ومجتمعنا اللبنانيّ خاصّة بحاجة إلى إيمان أصيل ملتزم يختلف تمامًا عن مجرّد أيّ إنتماء دينيّ أو طائفيّ أو مذهبيّ، وإلى انفتاح العقل والقلب والضمير لإلهامات الروح القدس. نحن من دون الإيمان وعمل الروح القدس نبقى في عتيقنا وتحجّرنا وحقدنا وإدانة غيرنا مجّانًا. فلي هذا الضوء ثلاث كلمات:
الكلمة الأولى تختصّ بالانتخابات النيابيّة في الربيع المقبل لا كاستحقاق دستوريٍّ دوري فقط، إنما كمحطّة لتجديد الحياة الوطنيّة عبر الديمقراطيّة والإرادة الشعبيّة، وكمنطلق لولادة أكثريّة وطنيّة مسؤولة ومؤهَّلة لإنعاش كيان لبنان وهويّته ودوره وخصوصيّته، ولحماية مصيره المهدد. لقد حان الوقت لانتظام الحياة البرلمانيّة، فتتنافس القوى السياسيّة تحت سقف الدستور، من أجل التغيير إلى الأحسن والأفضل. لذا، نحذر من أيِّ محاولة لإرجاء الانتخابات تحت ذرائع غير منطقيّة وغير وطنيّة، ونصرّ على حصولـها في مواعيدها الدستوريّة، حرصًا على حقّ الشعب في الانتخاب والتغيير، وحفاظًا على سلامة لبنان ووحدته.
ب. الكلمة الثانية تختصّ بقرار الهيئة العامّة بالإجماع لمحكمة التمييز الذي ثبّت أحقيّة التحقيق العدليّ، فأعاد للقضاء اللبنانيّ جدّيته وهيبته ووحدته، وأحيا الأمل باستكمال التحقيق في جريمة المرفأ بعيدًا عن التسييس والتطييف والمصالح. إن مصلحة جميع المعنيّين، بشكل أو بآخر بتفجير مرفأ بيروت، تقضي بأن يستمرّ التحقيق وتنجلي الحقيقة، فلا تبقى الشكوك الشاملة والاتّهامات المبدئيّة تحوم فوق رؤوس الجميع أكانوا مسؤولين أم أبرياء. وحده القضاء الحرّ والجريء والنزيه يزيل الشكوك فيبرّئ البريء ويدين المسبِّب والمرتكِب والمتواطئ والمهمِل. وفي هذا السياق، حريّ بالجميع، مسؤولين وسياسيّين وإعلاميّين، أن يحترموا السلطة القضائيّة ويكفّوا عن الإساءة المتعمَّدة إليها في إطار ضرب جميع ركائز النظام اللبنانيّ، الواحد تلو الآخر.
ج. الكلمة الثالثة تختصّ بانعقاد مجلس الوزراء، نتساءل: بأيّ حقّ يُمنع مجلس الوزراء من الانعقاد؟ هل ينتظر المعطّلون مزيدًا من الانهيار؟ مزيدًا من سقوط الليرة اللبنانية؟ مزيدًا من الجوع والفقر؟ مزيدًا من هجرة الشباب والعائلات وقوانا الحيّة؟ مزيدًا من تدهور علاقات لبنان مع دول الخليج؟ لا يجوز لمجلس الوزراء أن يبقى مغيَّبًا ورهينة هذا أو ذاك، فيما هو أساسًا السلطة المعنيّة بإنقاذ لبنان. وكيف يقوم بواجب مستحقّات المؤسسات الإنسانيّة والاجتماعيّة وزيادة سعر الكلفة، وعدد هذه المؤسسات 400، وفيها 25000 موظّفًا، و50000 مستفيدًا؟ هذه المؤسسات تقوم بعمل هو في الاساس من مسؤوليّة الدولة والسلطة فيها".
وفي ختام عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي "إنّنا نصلّي مع قداسة البابا فرنسيس من أجل لبنان كي يستعيد قاعدته الأساسيّة التي بُني عليها، وهي "الانتماء إلى دولة لبنان بالمواطنة لا بالدين". فتتحقّق أمنية قداسته "بأن يتخطّى اللبنانيّون الانتماءات الطائفيّة، للسير معًا نحو شعور وطنيّ مشترك".