البطريرك الماروني: كلمة البابا فرنسيس ونداءاته تشكل لنا جميعا خريطة الطريق للخروج من مختلف الأزمات التي نعاني منها
في عظة ألقاها مترئسا قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي "يسعدني أن نلتقي معًا ونحتفل بهذه الليتورجيا الإلهيّة، بعد العودة من روما حيث مع أصحاب الغبطة البطاركة والسادة الأساقفة، رؤساء الكنائس في لبنان، شاركنا قداسة البابا فرنسيس في "يوم التفكير بشأن لبنان، والصلاة من أجل السلام فيه". نشكر الله في هذه الذبيحة الإلهيّة على ذاك اليوم الغنيّ بالخير والنعم، ونصلّي كي يحقّق الله أمنيات قداسته بشأن لبنان، وكي يمكّننا من تحقيق برنامج العمل الذي رسمه لنا في كلمته التي ختم بها الصلاة المسكونيّة في بازيليك القدّيس بطرس، وشارك فيها العالم عبر الوسائل الإعلاميّة ووسائل التواصل الاجتماعي".
ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، استهل البطريرك الراعي عظته قائلا "الكنيسة، برعاتها وجماعة المؤمنين والمؤمنات بالمسيح، مرسلة إلى العالم، وهي في حالة إرسال دائم لتعلن سرّ يسوع المسيح، بحيث يتمكّن كلّ إنسان من معرفته، واللقاء به لقاء شخصيًّا وجدانيًّا. وهي بالتالي رسالة سلام، فالمسيح "أمير السلام" بحسب أشعيا النبيّ، و"المسيح سلامنا" بحسب بولس الرسول (أفسس 2: 14)، وبمعرفته "ننال السلام" بحسب بطرس هامة الرسل (2 بطرس 1: 2). وإذ تنفتح أمام الكنيسة مساحات واسعة في العالم من مثل: الحياة الاجتماعيّة، والتربية والاقتصاد، والسياسة، والإدارة، وعالم القضاء، والإعلام وتقنيّاته، قال الربّ يسوع لهؤلاء الذين يرسلهم من جيل إلى جيل: "الحصاد كثير والفعلة قليلون. فاطلبوا من ربّ الحصاد أن يرسل فعلةً إلى حصاده" (لو 10: 2). أجل، نحن نصلّي اليوم من أجل إرسال مثل هؤلاء الفعلة أساقفة، وكهنة ورهبانًا وراهبات ومؤمنين ومؤمنات ملتزمين، فيعملوا على متابعة الرسالة، حاملين إنجيل الملكوت إلى هذه المساحات، فتنطبع بثقافة الإنجيل".
هذا وأشار البطريرك الراعي إلى أن "الصلاة التي يدعونا إليها المسيح لإلتماس الفعلة لحصاده، تجد صداها في صلاتنا مع قداسة البابا في الفاتيكان، الخميس الماضي. الصلاة أساس أيّ حلٍّ لأنّ لبنان هو أصلًا مشروع لقاء مع الله، ومأساته الحاليّة تَعصى على الحلول العاديّة. حين كان البابا فرنسيس يتكلّم، شَعَرنا أنَّ حلَّ القضيّة اللبنانيّة في عمق قلبه، وأن قوّة من الأعالي دخلت علينا لتشفي بلدنا. فالصلاة ليست طريق الإنسان إلى الله فقط، بل هي طريقه إلى الآخَر. ومتى حصل اللقاء بالآخر يكون الحلّ. فتَعالَوْا، أيها اللبنانيّون نلتقي من جديد، ونرمي جميع خلافاتنا العبثيّة وراءنا، ونَمشي في النور نحو المستقبل؛ وسيكون لنا مستقبل عظيم. لقد دعانا البابا فرنسيس إلى الإيمان والرجاء والمحبّة والندامة والغفران. نحن، نفتقد هذه القيم الروحيّة والإنسانيّة مثلما نفتقد الخبز والغذاء والدواء. لأنّ فيها نجد الحلَّ والخلاص، ونَجد خبز الحياة". وأضاف البطريرك الراعي "كم كان قداستُه متأثّرًا ومؤثّرًا، وهو يقول: "يَدْفَعُنا القَلَقُ الشديد على لبنان، الذي أَحْمِلُهُ في قَلْبِي وأَرْغَبُ في زِيارَتِه، إذ أراه يُتْرَكُ رَهينَةَ الأقْدارِ أو رهينةَ الَّذينَ يَسْعَوْنَ بِدونِ رادِعِ ضَميرٍ وَراءَ مَصالِحِهِم الخاصَّة. لبنان بَلَدٌ صَغيرٌ كَبِير، وَهُوَ أكْثَرُ مِنْ ذَلِك: هُوَ رِسالَةٌ عالَمِيَّة، رِسالَةُ سَلامٍ وأُخُوَّةٍ تَرْتَفِعُ مِنَ الشَّرْقِ الأوْسَط".
وتابع البطريرك الراعي قائلا "أمّا نحن فكان كلّ لبنانيّ حاضرًا معنا، في قلبنا وفي خاطرنا. ما نطقنا بكلمة ولا أدْلينا برأي إلا وأخذنا بالاعتبار مصلحة جميع اللبنانيّين. لقد صار واضحًا أنَّ مسار حلّ القضيّة اللبنانيّة، ومصير "الوطن الرسالة"، يَـمرُّ حتمًا بلقاء اللبنانيّين على وحدة دولة لبنان في ظلِّ الديمقراطيّة والتعدديّة واللامركزيّة والحياد الإيجابي الناشط ووحدة القرار الوطنيّ والانتماء العربيِّ وتنفيذ جميع القرارات الدوليّة. وصار واضحًا مدى حاجة لبنان في ظلِّ هذا التمزّق والانهيار إلى مساعدة الأشقّاء والأصدقاء عبر مؤتمر دوليٍّ يُخرج لبنان من أزمته المصيريّة".
وإذ توقف عند كلمات قداسة البابا فرنسيس في ختام الصلاة المسكونية في بازيليك القديس بطرس في الأول من تموز يوليو، ختم البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عظته قائلا: "إنّ كلمة قداسة البابا فرنسيس في ختام "يوم التفكير بشأن لبنان، والصلاة من أجل السلام فيه"، ونداءاته تشكّل لنا جميعًا خريطة الطريق للخروج من مختلف الأزمات التي نعاني منها. أعاننا الله بنعمته على السير بها، لمجده تعالى وخلاص لبنان وخير جميع اللبنانيّين. فله الشكر والتسبيح: الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".