البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا: الخلاص هو في اللقاء الشخصي مع الله البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا: الخلاص هو في اللقاء الشخصي مع الله 

البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا: الخلاص هو في اللقاء الشخصي مع الله

عظة بطريرك القدس للاتين البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا مترئسًا القداس الإلهي بمناسبة عيد البشارة، في بازيليك البشارة بمدينة الناصرة

"نأتي اليوم إلى هنا لنضعَ كلَّ هذه الحياةَ الصعبةَ التي نعيشُها أمامَ عذراءِ الناصرة، ونسألُ أنفسَنا: ماذا يمكنُنا أن نتعلَّمَ من الخِبرةِ التي مرَرْنا بها. في الواقع، طرَحْنا الأسئلةَ في الاقتصادِ والحياةِ الاجتماعيّةِ والرعايةِ الصحّيّة. وماذا يقول ُكلُّ هذا لإيمانِنا؟" هذا ما قاله غبطة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، في عظته مترئسًا القداس الإلهي بمناسبة عيد البشارة، في بازيليك البشارة بمدينة الناصرة. والجواب بالنسبة للبطريرك يقوم في الإصغاء لكلمة الله وتتميمها لأنَّ الإيمانَ والحياةَ متشابكان، ويجب أن يتكلَّما معًا. الإيمانُ هو أيضًا طريقةٌ خاصّة لقَبولِ الحياة. فإنَّ علاقتَنا الرئيسيَّة، أي علاقتَنا مع الله، تقدِرُ ويجبُ أن تُلقِيَ ضوءًا على تجربتِنا، ويجبُ أن تساعدَنا على فهمِ علاماتِ الأزمنة.

واليوم تابع بطريرك القدس للاتين يقول نحتفلُ بجوابِ مريمَ لله، لما قالت "نعم" لِمَا طلبَ منها الله، وجوابُها سمحَ لله بأن يدخلَ في واقعِ هذا العالم، باتخاذِه جسدًا مثل جسدِنا. هنا أخذَ كلمةُ الله إنسانيَّتَنا، كلَّها، ما عدا الخطيئة. وبهذا، بيَّنَ لنا الله كم هو يُحِبُّ واقعَنا. لم يكُنْ العالمُ قط جزيرةً سعيدة: كان دائمًا فيه مشاكلُ من جميع الأنواع، ومظالم، وانقساماتٌ، وحروبٌ. والأمراضُ الموجودةُ اليوم، كانت بالأمسِ أيضًا، ودائمًا. وكلُّ هذا لم يمنَعْ الله، بأي حال من الأحوال، من تحقيق خطته في عالمِنا هذا. رغبتُه تعالى في خلاصنا لم يُوقِفْها شَرُّنا ولا عِصيانُنا. صارَ واحدًا منّا، لأنه أحبَّنا كما نحن، بكلِّ ما فينا. لو كنَّا كاملِين، ربما، لما كانَت هناك حاجةٌ لخطَةِ خلاص، ولا لتدخُّلِ الله.  لذلك، فإنَّ الاحتفالَ بالتجسُّدِ اليوم يعني أيضًا أننا نَعرِفُ كيف نَقبَلُ ونُحِبُّ واقعَنا في هذا العالم، تمامًا كما أحبَّه الله. لا نُغمِضُ أعينَنا عن آلامِ العالمِ وآلامِنا، بل نعيشُ ونحن نعلمُ أن هذا العالمَ، مهما جُرحَ وأُهينَ، هو، في كل حال، المكانُ الذي ظهرَ فيه الله، وفيه جاءَ للقائِنا، وفيه نلتقي معه حتى اليوم. في الواقع، لا يوجدُ شيءٌ في هذا العالمِ يقدِرُ أن يمنعَنا من أن نعيشَ حياتَنا بكمالِها. لأنَّ الإيمانَ يتضمَّنُ أيضًا إدراكَ جمالِ واقعِنا هذا، ومعرفةَ كيفيةِ مواجهةِ حقائقِ الحياة، سواءٌ كانَت جميلةً أم مُتعِبَة، ونحن أكيدونُ أيضًا أن الصلاحَ يَسكُنُنا، وأن الكلمةَ يخلِّصُنا. أمام طلبِ رئيسِ الملائكة، وهو أمرٌ لا يمكن تصديقُه، بل يستحيلُ فَهمُهُ من ناحيةٍ بشريّة، أجابَت مريم، وهي واثقةٌ بالله الذي يعتني بكل شيء، وهي تعرفُ أنه يمكنُها أن تسَلِّم نفسَها له.

أضاف البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا يقول في كثيرٍ من الأحيان، وخاصّةً في هذا العام الماضي، في المدرسةِ والعملِ وحتى في الكنيسة، عِشْنا بصورةٍ افتراضيّة، أكثرَ ممَّا عِشنا في الواقع. في هذا العامِ من الإغلاقاتِ، جاءَتْ التكنولوجيا لمساعدتِنا، وسمحَتْ لنا بالحفاظِ على الحدِّ الأدنى من التواصُل الاجتماعي. لكنْ، ليس من خلالِ التكنولوجيا، نلتقي مع الله، ولا القداديسُ الافتراضية هي التي تخلِّصُنا، ولا حتى شبكاتُ التواصلِ الاجتماعي، بل اللقاءُ الشخصي. إنَّ السرُّ الذي نحتفل به اليوم هو أيضًا دعوةٌ لعدم الهروبِ من الواقع، دعوةٌ لكي لا نخافَ أن ننظرَ إلى أنفسِنا كما نحن، - على عكسِ ذلك، يجبُ أن نجدَ في واقعِنا، الشخصيّ والجماعيّ، كما هو، علاماتِ حضورِ الله ومكانَ لقائِنا معه. نحن بحاجةٍ لاستعادةِ نظرةٍ إيجابيةٍ صافية على الكنيسةِ والعالم، الذي ما زالَ اليومَ أيضًا مكانَ حضورِ الله. يمكن أن يكونَ الشرُّ والألمُ والظلمُ والوحدةٌ التي نعيشُ فيها، الصوتَ الوحيدَ الذي يتحدَّانا. إلا أنَّ صوتَ الله أيضًا يُدَوِّي وينادينا، اليوم أيضًا، إن أرَدْنا أن نُصغِي، لكي نرحِّبَ بالكلمةِ التي ألقاها في كلِّ واحدٍ منّا، والتي تريدُ أن تثمر، "مائة، وستون، وثلاثون بالمئة". في هذا العالم، في هذا المجتمع، في هذه الكنيسة، نحن مدعوُّون لأن نقولَ "نعم" لله الذي يدعونا إلى خطّتِه الخلاصية. "نعم" التي يجب أن نترجمَها إلى عملٍ ملموسٍ وإيجابيّ، من أجل الخيرِ والعدالة، و"نعم" تتغلَّبُ على كلِّ خوفٍ ورُعب، لأنّه "لا شَيءَ مُستَحِيلٌ لَدَى الله".

تابع بطريرك القدس للاتين يقول يمكنُنا أن نقولَ إنّ المعنى النهائيَّ للبشارة هو العنصرة: مريمُ الممتلِئَةُ بالروحِ وَلَدَت المسيحَ، حتى يُولَدَ هو، من خلال الفصح، وهبةِ الروحِ القدس، في جميع المؤمنين. إنَّ الروح يُعطينا نظرةً جديدة، وقُدرةً على رؤيةِ عملِ الله في أحداثِ التاريخِ المختلِفة. يجعلنا الروحُ قادرِين على التعرُّفِ على المسيحِ أيضًا في حياةِ الآخَرين. ونحن دائمًا في حاجةٍ ماسَّةٍ إلى هذا، لأنه صحيحٌ أنّ كلّ شخصٍ يجبُ أن يجدُ في نفسِه الأمانَ بناءً على علاقتِه الخاصَّةِ مع الله، لكنّه صحيحٌ أيضًا أن هناك تثبيتًا لأمانِنا لا يمكنُ أن يأتيَ إلا من الخارج، من العلاقة مع الآخر. نحتاجُ اليومَ أكثرَ من أي وقتٍ مضى إلى شهودٍ يساعدوننا في مواجهةِ واقعِ الحياة بأملٍ وثقة، ويساعدوننا ليكونَ "جوابَنا" الله "نَعَم" واضحًا وواثقًا. نحن بحاجة إلى الكنيسة، أي المؤمنين المتَّحدين بالتحديد من خلالِ جوابِهِم "نَعَم" لله، وهم لذلك جماعةٌ لها نظرةٌ حُرَّةٌ صافيَةٌ إلى حياةِ العالم، لا تخاف، ويملأُها الشوقُ لبناءِ وتعزيزِ الخيرِ والعدالة.

أضاف البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا يقول أُفكِّرُ الآنَ في أرضِنا وكنيستِنا: كم نحن محتاجون إلى هذه النظرة! كم نحتاج إلى الثقةِ بالروحِ الذي يمنحُ كنيستَنا القدرةَ والتصميمَ على تحقيقِ كلمتِه هنا بينَنا، لنقولَ نحن أيضًا مع مريم العذراء: "لِيَكُنْ لِي بِحَسَبِ قَولِكَ". في كثيرٍ من الأحيان، في الواقع، نجعلُ أنفسَنا سُجناءَ مشاكِلِنا، التي تصبِحُ أفُقَنا الوحيد. نصبحُ سجناءَ دائمين لشؤونِ حياتِنا الصغيرة، أو لبعضِ الشؤونِ الكبيرةِ أيضًا، ولكنَّنا ننسَى الأساسيَّات: أنَّ الحياةَ لها معنًى فقط إذا انفتحَتْ على الحب، وأنَّ العالمَ، وكلَّنا جميعًا، نحتاجُ إلى أن نختبِرَ ذلك بشكلٍ حقيقيّ، وأنَّنا بحاجةٍ إلى عناقِ الله ومغفرتِه، وإلى دخولِه في حياةِ العالم. هذه هي دعوةُ الكنيسة ورسالتُها اليوم.

وختم بطريرك القدس للاتين البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا عظته بالقول لِتُرافِق عذراءُ الناصرة كنيستَنا ولتُشدِّدها، وتَجعَلْها خَصبةً بحياةٍ جديدةِ وسعيدةٍ لخيرِ الجميع. لتساعِد جماعتَنا، لتساعِدْ الكنيسة على أن تكونَ شُعلةً موضوعةً على المكيال حتى تتمكَّنَ، في آلامِ وتعَبِ كلِّ يوم، من إظهارِ الطريقِ للقاءِ محبةِ الله التي تعطي المعنى والقيمةَ المناسبةَ لكلِّ الأشياء.

 

26 مارس 2021, 11:00