البطريرك مار بشارة بطرس الراعي مترئسا القداس الإلهي في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي الأحد 15 تشرين الثاني 2020 البطريرك مار بشارة بطرس الراعي مترئسا القداس الإلهي في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي الأحد 15 تشرين الثاني 2020 

البطريرك الماروني: الكنيسة تؤمن مع المخلصين للبنان أن هذا الوطن هو مشروع عيش مشترك يُبنى كل يوم

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي يوم أمس الأحد الخامس عشر من تشرين الثاني نوفمبر في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، وألقى عظة في أحد بشارة زكريا بعنوان "لا تخف يا زكريا، فقد استُجيبت صلاتك" (لوقا 1، 13).

في عظته مترئسا قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي "نصلّي معًا إلى الله كي يشفي جميع المصابين بوباء الكورونا، ويحدّ من إنتشاره، بل كي يبيده، ويعيد إلى الكرة الأرضيّة حياتها الطبيعيّة، ويحدّ بالتالي من ازدياد أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل. ونصلّي أيضًا من أجل خلاص لبنان بمسّ ضمائر المسؤولين السياسيّين والنافذين وقلوبهم، لكي يسهّلوا بتجرّد وإخلاص للوطن تشكيل حكومة قادرة على إنهاضه من حالة البؤس الماليّ والاقتصاديّ والمعيشيّ والاجتماعيّ". وأضاف غبطته "نحن نعلم وبيقين أنّ يد الله القديرة الخفيّة هي التي تحمي لبنان من السقوط نهائيًّا في أيدي الّذين يتربّصون به شرًّا من الداخل ومن الخارج، لمصالح شخصيّة وفئويّة ودوليّة، وذلك بفضل صلاة المؤمنين وآلامهم وجوعهم وحرمانهم ودموعهم، وبفضل تشفّع أمّنا مريم العذراء، سيّدة لبنان، وقدّيسينا أبناء هذا الوطن، الّذين لن يتركوه فريسة الجشعين والذئاب. ولئن بدا الله صامتًا أو غائبًا، فإنّه يتدخّل على طريقته في الوقت المناسب وبحسب تدبيره. فالمطلوب أن نثابر كلّنا على الصلاة حتى تتجلّى إرادة الله، وعلى السلوك أمام الربّ بدون لوم محافظين على رسومه ووصاياه مثل زكريّا وإليصابات".

ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، قال البطريرك الراعي "أمام الاستهتار بصرخة الشعب الجائع وثورته، وأمام جراح بيروت المنكوبة من جرّاء انفجار مرفئها في 4 آب الماضي، من دون أن تحرّك الدولة ساكنًا، وأمام إلحاح الدول الصديقة على تشكيل حكومة جديدة والشروع بالإصلاحات، مع الدعم الدوليّ الجاهز، ترانا مضطرّين إلى طرح أسئلة مصيريّة: هل هذا التمادي في تعطيل تشكيل الحكومة والاستهتار بمصالح الشعب والوطن جزء من مشروع إسقاط دولة "لبنان الكبير" لوضع اليد على مخلّفاتها؟ لا نستطيع أن نرى هدفًا آخر لهذا التعطيل المتمادي المرفق بإسقاط ممنهج للقدرة الماليّة والمصرفيّة، وبإفقار الشعب حتى جعله متسوّلًا، وبإرغام قواه الحيّة وخيرة شبابه المثقّف على الهجرة".

وأضاف غبطته "ألا تريدون بعد اليوم، أيّها المعطّلون المتمادون من مختلف الأطراف، دولة مدنيّة تفصل بين الدين والدولة، ودولة متعدّدة الثقافات والديانات، كما أرادها المؤسّس البطريرك الكبير المكرّم الياس الحويّك حين أعلن في مؤتمر السلام في Versailles سنة 1919: "في لبنان طائفة واحدة اسمها لبنان، والطوائف المتعدّدة فيه تشكّل نسيجه الاجتماعيّ"؟ لا تريدون بعد مئة عام من حياة لبنان دولة ديمقراطيّة منفتحة على جميع دول الأرض، عُرفت بثقافتها أنّها مكان العيش معًا مسيحيّين ومسلمين بالتعاون المتوازن والاحترام المتبادل، ومكان التلاقي والحوار؟ لا تريدون بالتالي دولة حياديّة ذات سيادة كاملة تفرض هيبة القانون والعدالة في الداخل، وتدافع عن نفسها بقواها الذاتيّة بوجه أيّ اعتداء خارجيّ، وتلعب دور الوسيط من أجل الاستقرار والسلام وتعزيز حقوق الإنسان والشعوب في المنطقة؟ إذا كنتم لا تريدون كلّ ذلك، فإنّكم تستبيحون الدستور والميثاق وهويّة لبنان ورسالته في الأسرتين العربيّة والدوليّة. وهذه هي الهوّة بينكم وبين الشعب اللبناني الّذي هو سيّد الأرض لا أنتم، وهو مصدر كلّ سلطة، كما ينصّ الدستور في مقدّمته. إنّه يريد حكومة مستقلّة بكامل وزرائها لا بقسم منهم. هذا هو المخرج الوحيد لحلّ الأزمة العالقة". وتابع البطريرك الراعي "الكنيسة تؤمن مع المخلصين للبنان أنّ هذا الوطن هو مشروع عيش مشترك يُبنى كلّ يوم، ومشروع شراكة حضاريّة، لا شراكة عدديّة، ولذلك ترفض أيّ اصطفاف تقسيميّ، يفتّت الشراكة، ويحوّل لبنان إلى ساحة صراع بين مشروعي الأقليّات والأكثريّات في المنطقة".

"لقد شاهدنا في هذه الأيّام الأخيرة بتأثّر عميق إخواننا من الشعب الأرمنيّ في ناغورنو-كراباخ (أرتساخ) يغادرون بالدموع الأراضي التي خسروها، والكنائس والأديار، ومن بينها دير داديفانك الشهير الّذي يعود بناؤه إلى 800 عام، لكنّه تأسّس في الأعوام الأولى للمسيحيّة على يد القدّيس دادي الّذي يكرّم جثمانه فيه، وهو دير بكنائسه عزيز على قلوبهم. فودّعوه مقبّلين حجارته بالدموع الغزيرة"، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته، وأضاف "نودّ أن نعرب لهم من جديد عن قربنا منهم وتضامننا معهم في مشاعرهم. لكنّنا نقول لهم أن يحافظوا عليه وعلى إرثهم وتراثهم وممتلكاتهم في الأرض التي خسروها، باسم شرعة حقوق الإنسان والأخوّة الإنسانيّة ومبادئها التي أبرزتها "وثيقة الأخوّة الإنسانيّة" التي وقّعها قداسة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيّب في أبو ظبي بتاريخ 4 شباط 2019. فلا بدّ من أن ينتصر العيش معًا على التباعد والكراهيّة".

وختم البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عظته قائلا "ونرفع صلاتنا إلى الله كي يرحمنا جميعًا ويبيد وباء كورونا ويشفي المصابين به، وأن يرسل لبلادنا مسؤولين يخافونه ويعملون بإخلاص وتضافر قوى على إخراجه من أزمة الحكومة وتداعياتها الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة. له المجد والتسبيح الآن وإلى الأبد. آمين".

16 نوفمبر 2020, 13:18