البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي  

البطريرك الماروني: ما كانت بيروت مكسورة مثلما هي اليوم، وما كانت عازمة على النهوض وملاقاة الشمس مثلما هي اليوم

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي صباح اليوم الأحد السادس من أيلول سبتمبر في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، وألقى عظة بعنوان "لمـّا علِمَت المَرأةُ أنَّ يَسُوع جالِسٌ في بَيتِ الفرِّيسِيّ، جاءَتْ تَحمِلُ قَارُورَةَ طِيبٍ" (لو7: 37-38) وقال غبطته" كان روحُ التوبة والندامة يفعَلُ في قلب تلك المرأةِ المعروفةِ في المدينة أنَّها خاطئة. فاتَّخذت قرار التغيير، وآمنَت أنَّ يسوع وحدَه قادرٌ أن يُحرّرها من شواذ حياتها، ويغفِرَ خطاياها، ويجعَلَها تولدُ لحياةٍ جديدة. "فلمَّا علِمَت أنَّ يسوع جالسٌ في بيت سمعان الفرِّيسيّ، جاءت تحمِلُ قارورة طِيب" (لو7: 37-38) وسكبَتها على قدمَي يسوع.

في عظته مترئسا قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي "شهرٌ مضى على كارثة انفجار مرفأ بيروت، بل جريمة تفجير هذا المرفأ. نعم، ما جرى هو جريمةٌ أكان ناتجًا عن إهمالٍ، أو عن تواطُؤٍ، أو عن عملٍ إرهابيٍّ، أو اعتداء. شهرٌ مضى والأحزانُ مفتوحةٌ والعذابات تتوالى والضَّحايا تتزايد. وإذ نكرِّرُ تقديرَنا العمل المتفاني الذي تقوم به أجهزةُ الإسعاف والدفاع المدني والفرق الآتيةُ من دولٍ صديقة بحثًا عن المفقودين، نجدّد تعازيَنا إلى جميع العائلات وتمنِّياتنا بالشِّفاء للمصابين. ما كانت بيروت مكسورةً مثلما هي اليوم، وما كانت عازمةً على النهوض وملاقاة الشّمس مثلما هي اليوم. ستعود بيروت سيّدةَ الشَّرق والمتوسِّط، وستعود مركزَ النَّهضة الثَّقافيَّة والتَّربويَّة والاقتصاديَّة، بإذن الله وشفاعة سيِّدة لبنان وقدِّيسيه".

ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، أشار البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته إلى أن "توبة المرأة الخاطئة ومغفرة خطاياها وتبدُّلَ مسيرة حياتها، دعوةٌ لنا جميعًا، وبخاصَّةٍ للجماعة السِّياسيَّة. فلا يمكن أن تستمرَّ هذه في نهجها القديم بعد زلزال انفجار مرفأ بيروت وما خلَّفَ من ضحايا ونكبةٍ ودمار، وبعد وصول الحالة الاقتصاديَّة والماليَّة والمعيشيَّة إلى الحضيض، وبعد أحد عشر شهرًا من حراك الثورة الرافضة لاستمراريَّة الوجوه إيَّاها القابضة على ناصية الدولة منذ عقود، والفساد والمحاصصة والاهمال العامّ، وبعد الشَّلل الذي ما زالت تُسبِّبه وبكثرة جائحةُ كورونا منذ حوالى ثمانية أشهر. بعد كلِّ هذه الأمور، من الواجب تأليف حكومةٍ تكون على مستوى الحدث الآني والمرحلة التاريخيَّة. يستطيع الرئيس المكلَّف ذلك إذا التزم بالدستور والميثاق والديمقراطيَّة الحقَّة. فإلى الآن كان الخروج عنها نهجًا توافقَ أهلُ السلطة فيه على المحاصصة والزبائنيَّة والفساد والانحياز، فكان بالتالي انهيار البلاد".

وتابع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي يقول "فيا أيُّها الرئيس المكلَّف، ألِّفْ حكومةَ طوارئ، مصغَّرةً، مؤهّلةً، قويّةً، توحي بالجديَّة والكفاءة والأمل، تثِقُ بنفسها، وبها يثِقُ الشَّعب، ولا تسألْ ضمانةً أخرى. فلا ضمانةَ تعلو على ضمانة الشَّعب. ونحن معه. فالزَّمنُ المصيريُّ يستلزم حكومةً من الشَّعب وللشَّعب، وليس من السِّياسيّين وللسِّياسيِّين. الزَّمنُ المصيريُّ يستلزم حكومةً لا احتكارَ فيها لحقائب، ولا محاصصةَ فيها لمنافع، ولا هيمنةَ فيها لفئة، ولا ألغامَ فيها تُعطِّلُ عملَها وقراراتِها. الزَّمنُ المصيريُّ يستلزم حكومةً تتفاوض بمسؤوليَّةٍ مع صندوق النَّقد الدوليّ، وتُطلق ورشة الإصلاح الفعليَّة، وتُحيِّدُ لبنانَ عن الصِّراعات وتُحيِّدُ اللُّبنانيِّين عنها. تُعيد للنَّاس ودائعَهم الـمصرِفيَّة، تُنقِذُ العُملةَ الوطنيَّة، تَستقطبُ المساعداتِ الدوليَّة، تُعيد بناء العاصمة والمرفأ، توقِف هجرة العائلات والجيل الصَّاعد، تُسرع في ترميم المنازل ليَبيت الناس فيها قبل الشِّتاء، تؤمِّنُ عودة الجامعات والمدارس وتوفِّر لها المساعدات اللَّازمة. إنْ لم تكنِ الحكومة بهذه المواصفات ستموت في مهدها".

قال البطريرك الراعي "وكم نتمنَّى أن تُدخِل الحكومة العتيدة في بيانها الوزاريّ برنامج العمل على تحقيق ما اعتمدَته الحكومات المتتالية من سنة 1943 إلى 1980، وهو أنَّ سياسة لبنان الخارجيَّة الحيادُ وعدمُ الانحياز. وقد شرحنا معانيه وقيمتَه في مذكِّرتنا التي أصدرناها في 7 آب الماضي. فالحيادُ، الذي هو من صميم الكيان اللُّبنانيّ، لأمرٌ إنقاذيٌّ وجوديٌّ في الداخل، يُمكِّن لبنان من تأدية واجبه ورسالته، وفي الخارج يُعزِّز تضامن لبنان مع قضايا الشُّعوب. جميعُ الجماعات اللُّبنانيَّة سَعَت عبر التاريخ، القديمِ والحديث، إلى تحييدِ نفسِها عن صراعات المنطقة. وكلَّما كانت تلتزم الحياد كانت تنجو بنفسها وبالبلاد، وكلَّما كان يراودُها إغراءُ الانحيازِ الجارِف كانت تُصاب بالخيباتِ وتَجرُّ الويلات إلى لبنان وشعبه". وختم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عظته قائلا "نصلّي إلى الله في هذا الظَّرف العصيب أن يحمي لبنان. فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد. آمين"

06 سبتمبر 2020, 12:48