البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي 05 تموز يوليو 2020 البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي 05 تموز يوليو 2020 

البطريرك الماروني: نتساءل بمرارة: مذ متى كان الإذلال نمط حياة اللبنانيين؟

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي صباح الأحد الخامس من تموز يوليو في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان وألقى عظة بعنوان "هَا أنا مُرسِلكم" (متى 16:10) وقال: الرَّبُّ يسوع، الذي أرسله الآب ليخلّص العالم، ويفتدي خطايا البشر واحدًا واحدًا، بموته وقيامته، أرسلَ كنيسته، الممتمثّلة بالرسل الاثني عشر، لتحمل إلى العالم سرّ محبة الله الخلاصيّة، من أجل حياة كلّ إنسان. ونبّهها أنه "سيرسلها كالخراف بين الذئاب". ودعاها لتتسلّح بفضائل ثلاث: الحكمة والوداعة والصبر. وأعطاهم قدوة بشخصه، فيما عانى من رفض ومعاكسات ومكايد حتى الآلام والصلب. وأضاف غبطته يقول "نصلّي من أجل الكنيسة لكي تتفانى أكثر فأكثر في الرسالة الموكولة إليها في لبنان وهذا الشرق وفي بلدان الانتشار، وكلمة المسيح تستحثّها: "الحصاد كثير، والفعلة قليلون" (لو 2:10)، وتشجّعهم كلمته الثانية "سيكون لكم في العالم ضيق، لكن تقووا أنا غلبت العالم" (يو 33:16). وتعضدهم الثالثة: "انا معكم طول الأيام إلى انتهاء العالم" (متى 20:28).

أشار البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظته ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، إلى أن "أسوأ ما نشهده اليوم عندنا هو أن معظم الذين يتعاطون الشأن السياسي، لا يعنيهم إلا مكاسبهم الرخيصة ومصالحهم وحساباتهم، وحجب الثقة عن غيرهم، وإدانة الذين يتولون السلطة في المؤسسات الدستورية. والأكثر ضررًا انهم يعملون جاهدين على أن يكون الولاء لأشخاصهم ولأحزابههم، لا للبنان. إنهم بكل ذلك يتسببون بحرمان لبنان من ثقة الاسرتين العربية والدولية، على الرغم من قناعة هذه الدول بأهمية لبنان ودوره وإمكاناته وقدرات شعبه. يبدو أنّ هؤلاء السياسيين يريدون بذلك إخفاء مسؤوليتهم عن إفراغ خزينة الدولة، وعدم إجراء اي إصلاح في الهيكليات والقطاعات، كما طالبت الدول التي تلاقت في مؤتمر باريس المعروف بـ"سيدر" في شهر نيسان 2018. لكنهم توافقوا بكل أسف على نهج المحاصصة وتوزيع المكاسب على حساب المال العام. فكان ارتفاع منسوب الفقر والبطالة والفساد والدَّين العام بالشكل التدريجي حتى كان الانفجار الشعبي مع ثورة 17 تشرين الاول 2019 التي ما زالت نارها مشتعلة، فيما المسؤولون السياسيون غير معنيين، ويراهنون على انطفائها، وهم مخطئون. "فالجوع كافر" كما كتب أحد المنتحرَين أوّل من أمس. فكانت هذه وصمة عار أخرى على جبين الوطن. وما يؤسف له بالأكثر أنّ المسؤولين السياسيين، من مختلف مواقعهم، لا يمتلكون الجرأة والحرية الداخلية للالتقاء وايجاد السبل للخروج من اسباب معاناتنا السياسية التي هي في أساس أزماتنا الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية".

وأضاف البطريرك الراعي يقول "نتساءل بمرارة: مذ متى كان الإذلالُ نمطَ حياةِ اللبنانيّين؟ فيتسوّلون في الشوارع، ويَبكون من العَوز، ويَنتحرون من الجوع؟ أوَتدركون أيها المسؤولون السياسيون الجرم المقترف: فلبنانُ جامعةُ الشرقِ ومدرسته تُغلَقُ جامعاتُه ومدارسُه وتنحطّ عزيمتها، ولبنان مُستشفى الشرق تُقفَل مستشفياتُه ويتعثّر تطوّرها؟ ولبنان السياحة والبحبوحةُ والازدهارُ تعاني فنادقه من الفراغ وتُحتجز أموال الشعب في المصارف؟ هل لبنانُ الفكر والنبوغ والنهضة يُحجَّم ويُحوَّل إلى ملكيّة خاصّة تُصادره طبقةٌ سياسيّةٌ وتَتصرّف به على حساب المصلحة العامّة؟ أيريدون لهذا الشعبِ أن تُركّعَه لقمةُ الخبز؟ لا، فكما أنّه لم يَركع أمامَ أيِّ احتلال، لن يركع اليوم. ونحن لن نَسكت على ما يجري. هذا الوطن هو ملك بنيه وهم مصدر سلطاته (مقدمة الدستور، و). وأضاف غبطته "ثورة شعبنا المذلول والجائع والمحروم من أبسط حقوقه الأساسية تستحقّ الحماية الأمنية لا القمع. الخطرُ على لبنان ليس من شبابِه وشابّاتهِ لكي يُردَعوا ويُعتقلوا. فَــتِّشوا خارج الثورة عن المخرِّبين ومُهدِّدي الأمنِ القوميّ اللبناني، والمتطاولين على الجيش والشرعيةِ والمؤسّسات، ومُعطّلي الدستور والاستحقاقات الديمقراطيّة ومن وراءهم. الثوّار بناتُنا وأبناؤنا. هم زَخمُ التغيير وأملُ المستقبل. نحن نريدها تكرارًا ثورة حضارية لا يكون ضحيتها الشعبُ في مصالحه وتنقلاته اليومية، بل نريدها أن تحترم الأصول القانونية للمظاهرات، وتكون صاحبة رؤية بنّاءة". وتابع عظته قائلا "المرحلةُ التي بلغناها تحملنا إلى توجيه هذا النداء: نناشد فخامة رئيس الجمهورية العمل على فكّ الحصار عن الشرعية والقرار الوطني الحرّ. ونطلب من الدولِ الصديقةِ الإسراعَ إلى نجدة لبنان كما كانت تفعل كلما تعرّضَ لخطر. ونتوجّه إلى منظَّمة الأمم المتّحدة للعمل على إعادةِ تثبيتِ استقلالِ لبنان ووحدتِه، وتطبيق القرارات الدولية، وإعلانِ حياده. فحيادُ لبنان هو ضمانُ وِحدته وتموضعه التاريخيّ في هذه المرحلةِ المليئةِ بالتغييراتِ الجغرافيّةِ والدستوريّة. حيادُ لبنان هو قوّته وضمانة دوره في استقرار المنطقة والدفاع عن حقوق الدول العربية وقضية السلام، وفي العلاقة السليمة بين بلدان الشرق الأوسط وأوروبا بحكم موقعه على شاطئ المتوسّط".

وختم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عظته قائلا "بناء الأوطان على قيم السلام والعدالة والحقيقة والحرية والاخوة الانسانية، هو رسالتها التي تتأصل في تصميم الله الخلاصيّ الشامل لجميع الشعوب. فلتكن هذه الرسالة الصافية نشيد تسبيح دائم للثالوث القدوس الآب والابن والرُّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".

06 يوليو 2020, 14:48