البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي 

البطريرك الماروني: كفانا إفقارًا للدولة والشعب وقهرًا للأجيال الطالعة!

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي صباح الأحد الثامن والعشرين من حزيران يونيو في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان وألقى عظة بعنوان "اختارَ يَسُوعُ الإثنَي عَشَر، وأُرسِلوا ليُعلِنوا: لقد اقترب ملكوت السَّماوات" (متى 10: 1 و7) وقال غبطته "اختارهم الرَّبُّ يسوع بأسمائهم واحدًا واحدًا، بفعل محبّة خاصَّة من أجل إعلان إنجيله والشَّهادة لمحبَّته في المجتمع البشريّ. فشهدوا لمحبّته، وعاشوها أولاً فيما بينهم، حتّى اجتذبوا إليهم الوثنيين الذين كانوا يقولون عنهم "أنظروا كم يحبون بعضهم بعضًا!" ثمّ تجاه جميع الناس"، وأضاف "هذه هي رسالة الكنيسة بأساقفتها وكهنتها ورهبانها وراهباتها وبمؤسساتها، وهي أيضًا رسالة جميع المسيحيين، في أي مكانٍ وجدوا، وبخاصّة في لبنان وهذا المشرق، حيث زرعَنا الله لنشهد للمحبّة الإلهيّة".

قال البطريرك الماروني في عظته مترئسا قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان "تقتضي منا المحبّة اليوم، ومن جميع المسيحيين، أكانوا في المجتمع أم في الدولة، أن نتحابّ حقًا، نابذين من قلوبنا الحقد والبغض والضغينة؛ وأن نتكاتف مع جميع مكوّنات مجتمعنا ودولتنا. فنوحّد جهودنا من أجل إنقاذ مجتمعنا من الجوع والعوز والحرمان الشديد بمبادرات إنسانيّة فردية وجماعية وعبر المؤسسات الاجتماعية الإنسانيّة، ومن أجل إنقاذ دولتنا من الإنهيار، محافظين على سلامة سياستها الضامنة نظامها الديمقراطي ونموّ اقتصادها الحرّ ووفرة ماليتها العامة، وإنماء المواطن والمجتمع". وتابع غبطته "هذا ما كنّا نأمله من "اللّقاء الوطنيّ" الذي عُقد في القصر الجمهوريّ في الخامس والعشرين من الجاري. لكنّه، بسبب عدم الإعداد له كما يلزم، زاد بكلّ أسف في الإنقسام السياسيّ الداخليّ المتسبب أصلاً بفقدان الثقة بجميع السياسيين والقيّمين على شؤون الدولة. فتسبّب من جديد بالتراجع الاقتصادي، وفلتان الدولار، ورفع عدد الفقراء والعائلات المعدمة. هذا فضلاً عن الصّدمة التي أصابت شبّاننا وشابّاتنا الذين يتظاهرون في ثورة إيجابية منذ حوالي تسعة أشهر، منتشرين على الطرقات وفي السّاحات العامّة، متحمّلين الجوع والعطش والبرد والحرّ. وكم تألّموا من المندسّين والمخرّبين ومن وراءهم، وقد اعتدوا على الأملاك العامّة والخاصّة، وشوّهوا وجه القضيّة التي من أجلها نشأت الانتفاضة – الثورة في 17 تشرين الاول الماضي". ومع هذا كلّه – قال غبطته – "ندعو شبابنا إلى الصمود بالوحدة والتضامن، فالكنيسة بجميع مؤسّساتها تقف إلى جانبهم بمبادرات اجتماعيّة وتربوية وغذائية. ونذكّرهم أنّنا بإيماننا الثابت نستطيع أن ننتصر وننقذ ذواتنا ووطننا ومستقبلنا على أرضه. كما ندعو أحبّاءنا في الإعلام المرئيّ والمكتوب والمسموع لأن يبثّوا بدورهم روح الصمود والثقة بالنفس، ويعزّزوا ثقافة البقاء الفاعل على أرض الوطن، والانتصار على تجربة اليأس والهجرة".

ونقلا عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية، قال البطريرك الراعي في عظته"وإنّا، إذ نقدّر محاولات فخامة رئيس الجمهورية لمعالجة الأوضاع، نناشده التعويض عن غياب الشراكة الوطنية والتنوّع السياسي في "لقاء بعبدا"، بالإعداد لمؤتمرٍ وطنيٍّ شامل، بالتنسيق مع دول صديقة، تمكّن لبنان من مواجهة التحديات، ومصالحة ذاته مع الأسرتين العربية والدولية، قبل فوات الأوان.كما نناشد الحكومة، رئيسًا ووزراء، العمل على إستعادة الثقة الداخلية والخارجية الآخذة بالتراجع بكلّ أسف، والقيام سريعًا بإجراء الاصلاحات في الهيكليات والقطاعات التي باتت مطلوبة من الجميع. كما نناشدهم رسم سياسة الدولة العامّة عملاً بالدستور والروح الميثاقية والثوابت اللبنانية والمبادئ الوطنية. فكفانا انحيازًا وعزلة! كفانا هروبًا من القرارات العادلة والجريئة ومعالجة ما يُسمّى "بالنّقاط الخلافيّة"، لئلاّ تتمّ فينا المقولة المميتة: "من أخفى علّته مات فيها"! كفانا تعطيلاً للمسيرة نحو الأفضل! كفانا إفقارًا للدولة والشعب وقهرًا للأجيال الطالعة!". وفي ختام عظته مترئسا قداس الأحد في كنيسة الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي "أرسَلَ الرَّبُّ يسوع كنيسته المتمثّلة بالرّسل الإثني عشر ليُعلنوا ويَبنوا ملكوت الله" (راجع متى 10: 1و7). إنّه ملكوت المحبّة والرّحمة، ملكوت العدالة والسلام، ملكوت الحريّة كعطيّة سامية منحها الله للإنسان، وبخاصّة حريّة التعبير التي يتميّز بها لبنان في محيطه، وكرّسها الدستور، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وضع مقدّمته اللبنانيّ الدكتور شارل مالك، أثناء رئاسته لجمعيّة الأمم المتّحدة سنة 1948. لقد أسفنا جدًا لأن يصدر في الأمس حكمٌ قضائي مستغرَب يمنع شخصيّة ديبلوماسيّة تمثّل دولة عظمى من حقّ التعبير عن الرأي، "ويمنع جميع وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية من إجراء أي مقابلة معها أو أي حديث لمدّة سنة"، كما اسفنا واستغربنا ان يصدر في يوم عطلة وخلافًا للأصول القانونيّة، مشوِّهًا هكذا صورة القضاء اللبنانيّ، ومخالفًا للدستور، وناقضًا المعاهدات الدوليّة والاتفاقيات الديبلوماسية. فاقتضى الاستنكار وتوجب التصويب.

28 يونيو 2020, 13:14