الكاردينال فيلوني الكاردينال فيلوني 

الكاردينال فيلوني يتحدث عن أهمية إعادة بناء النسيج الإنساني في العراق

لمناسبة الذكرى السنوية الخامسة لتهجير المسيحيين من سهل نينوى بالعراق بسبب اجتياحه من قبل تنظيم الدولة الإسلامية وبالتحديد ليل السادس من آب أغسطس من العام 2014، أجرى موقع فاتيكان نيوز الإلكتروني مقابلة مع عميد مجمع تبشير الشعوب الكاردينال فرناندو فيلوني والذي كان سفيراً بابوياً في العراق خلال الفترة الممتدة بين عامي 2001 و2006.

سلط نيافته الضوء على ضرورة توفير المزيد من الضمانات التشريعية، على الصعيدين الوطني والدولي، بغية تعزيز حق الأقليات الدينية في البقاء في أرضها. قال الكاردينال فيلوني: يبدو لي أن العراق يسعى حاليا إلى تحقيق توازن سياسي، وأيضا تشريعي، خصوصا فيما يتعلق بالقانون، كأساس لكل الحقوق، بما في ذلك حقوق الأقليات في البلد العربي. واعتبر أن بطريرك بابل للكلدان يبحث هو أيضا عن الطريقة الملائمة لضمان حقوق الجميع، لكن هذه المهمة ليست سهلة على الإطلاق نظراً إلى الثقافة والذهنية السائدتين في المجتمع العراقي. مع ذلك من الضروري والمحق أن تحركنا الرغبة في ضمان حقوق الأقليات المسيحية بنوع خاص بعيداً عن إطار التسامح، أو مفهوم منحهم الحقوق. وذكّر نيافته بأن جميع المواطنين العراقيين، بما في ذلك الأقليات الدينية طبعاً، يتمتعون بالحق في عيش الحريات المدنية والدينية على حد سواء.
وتعليقاً على القداس الذي احتفل به عميد مجمع تبشير الشعوب يوم الثالث من آب أغسطس الجاري عندما قال خلال عظته إنه شاهد الإيمان، لا الحقد، في أعين المسيحيين المضطهدين في العراق، أكد فيلوني أن الجميع يتمنى أن يحل السلام في هذا البلد، وهذا السلام لا يتعلق بالأوضاع الراهنة وحسب، أي بنهوض تنظيم داعش ثم هزيمته، لأن المسألة مرتبطة منذ القدم بالعلاقات بين المسيحيين والمسلمين، بين الأكثرية والأقليات. ولفت نيافته إلى أن المسيحيين اعتُبروا على الدوام كعامل للاعتدال داخل المجتمع العراقي، وهذا ما لمسه لمس اليد عندما كان سفيراً بابوياً في بغداد. وأضاف أن المكون المسيحي يقدّم بديلاً عن نظرة إسلامية بحتة. وهذا الأمر لا يفرض قيوداً على المجتمع العراقي بل على العكس إنه يشكل مصدر غنى لأنه يؤدي في نهاية المطاف إلى الدفاع عن حقوق الجميع. وقال في هذا السياق إن المسيحيين العراقيين، وعلى الرغم من تعرضهم لشتى أنواع الاضطهادات على مر الأزمنة، تميزوا دوماً بموقف منفتح جداً على الغفران والمصالحة والتعايش الطيّب. وهم يمارسون ذلك منذ قرون، وينبغي ألا ننسى الشهادة التي قدّمها عدد من المسلمين إذ قالوا للمسيحيين: "إنكم عنصر الاعتدال لدينا. لا ترحلوا". ولكن على الرغم من كل ذلك، قال فيلوني، إن هجرة المسيحيين حصلت وهي مستمرة لغاية اليوم.
في رد على سؤال بشأن عودة المسيحيين وعملية إعادة الإعمار في سهل نينوى قال عميد مجمع تبشير الشعوب في حديثه لموقعنا الإلكتروني إن مسيرة العودة بطيئة جداً، وإن لم تُقدّم الضمانات التشريعية، وطنياً ودولياً، لحياتهم الكريمة والحرّة، من الصعب أن يعود النازحون إلى أرضهم. وذكّر نيافته بأن عمليات إعادة الإعمار مرتبطة بالتزام العديد من المنظمات المسيحية الكاثوليكية والدولية ولم يخف قلقه حيال مشكلة أخرى إذ قال: يمكننا أن نعيد بناء البيوت والمباني المهدمة، لكن كيف نستطيع أن نبني مجددا النسيج الإنساني لدى الأشخاص الذين عاشوا في تلك المناطق لفترة طويلة؟ وأضاف أن هذا الأمر ما يزال يشكل اليوم تحدياً ومشكلة كبيرين. لا يمكننا أن نعود إلى الماضي، لكن مما لا شك فيه أنه باستطاعتنا أن نستعيد جزءا من الماضي لأن المسيحيين العراقيين كانوا مرتبطين بأرضهم ارتباطاً وثيقاً وهم مستعدون للعودة شرط أن تتوفر الظروف الملائمة.
وفي معرض حديثه عن التراجع الديمغرافي الذي يعاني منه المسيحيون في منطقة الشرق الأوسط عموماً قال الكاردينال فيلوني إن هذه المشكلة مرتبطة في المقام الأول بالنزوح والهجرة فضلا عن عوامل أخرى. ولفت إلى أن الحضور المسيحي في المنطقة مطبوع بغنى تاريخي وثقافي وقد تنبّه الكثيرون لهذا الأمر وللأسف بعد فقدان الكثير. وذكّر عميد مجمع تبشير الشعوب في ختام حديثه لموقعنا الإلكتروني بكلمات أسقف الموصل للكلدان الذي أكد أنه تمكّن من انقاذ العديد من الكتب الثمينة: كتب ليس لها أي قيمة تجارية، لكنها بالغة الأهمية من وجهة نظرٍ تاريخية وثقافية ودينية. لقد أنقذ أشخاصاً، وثقافة وجماعات بأسرها. وأكد فيلوني أنه في هذه الكلمات ينبغي أن نبحث عن أجواء حياة الأشخاص، ثم تلك الاجتماعية والمدنية والهندسية والثقافية.
على صعيد آخر، أجرت وكالة آسيا نيوز الكاثوليكية للأنباء مقابلة مع الكاهن سمير يوسف من كهنة أبرشية الموصل الذي أكد أن عمليات إعادة الإعمار لم تنطلق بعد في المدينة العراقية، لأن البلاد ما تزال تفتقد إلى حكومة مستقرة. هذا فضلا عن انعدام الأمن من جهة وعدم توفّر الأموال اللازمة من جهة أخرى الأمر الذي يحول دون بداية أعمال الجمعيات الخيرية المرتبطة بالكنيسة. وكان الكاهن المذكور قد اعتنى خلال السنوات الماضية بأعداد كبيرة من المسيحيين والمسلمين والأيزيديين الذين نزحوا عن الموصل.

07 أغسطس 2019, 13:25