غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي  

رسالة عيد القيامة المجيدة لغبطة البطريرك يونان

القيامة كأساس إيماننا المسيحي وأساس الرجاء، ينبوع المحبة غير المشروطة، وإتمام للخلاص، هذا ما تمحورت حوله رسالة القيامة لغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي.

"قام من أجل تبريرنا" (روم 4، 25)) بهذه الكلمات من رسالة القديس بولس إلى أهل رومة عنون غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي رسالة عيد القيامة المجيدة 2019 والتي نشرها الموقع الإلكتروني للبطريركية. وفي بداية تأملاته حول القيامة تحدث عن كون موت المسيح وقيامته أساس الإيمان المسيحي. وقال: فيسوع مات على الصليب فداءً عن خطايا البشرية بأسرها، وبدمه الثمين صالح الله مع الإنسان، وائتمننا على عيش المصالحة مع الله ومع بعضنا البعض. "مات من أجل خطايانا وقام من أجل تبريرنا" (رو4: 25) ومنحنا الحياة الجديدة، حياة أبناء وبنات الله. موت المسيح وقيامته يشكّلان بالتالي أساس الإيمان المسيحي وجوهره، إذ شاء يسوع أن يموت على الصليب ويقوم من بين الأموات ليمنحنا الحياة الجديدة ويقدّسنا. وبهذا زرع السلام في القلوب، منتزعاً منها الخوف، فباتت الأرض تعيش زمناً جديداً يرضي الله، هو زمن المحبّة والأخوّة والسلام. وتحدث غبطته عن ضرورة التغلّب على الخطيئة وعيش المحبّة الحقيقية.

توقف غبطة البطريرك بعد ذلك عند قيامة المسيح كأساس الرجاء فقال إن موت المسيح وقيامته غيّرا وجه العالم، فيسوع الذي لم يرتكب خطيئةً انحدر نحو الإنسان كي يجذبه إلى قمم الروح، لأنّه "أحبّه حتى الغاية" (يو13: 1). وواصل مذكرا بما قال قداسة البابا فرنسيس في مقابلته العامة في 1 نيسان أبريل 2015 "إنّ الفداء والخلاص قد تمّا كما أراد الآب، وكلّ الكتب تجد اكتمالها في محبّة المسيح، الحمل المذبوح. إنه بتقديم ذاته ذبيحةً، حوّل أكبر عمل ظلم إلى أكبر حبّ". وتحدث غبطته عن قيامة يسوع باعتبارها الحدث الأعظم في تاريخ البشرية، وأساس الرجاء فينا، لأنّه وكما كتب القديس بولس في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس "لو لم يقم المسيح، فكرازتنا إذاً باطلة وإيمانكم أيضاً باطل... ولَكُنتُم بعدُ أمواتاً في خطاياكم... ولكنّه قام من بين الأموات وهو بكر الراقدين" (1كور15: 14و17و20). القيامة هي بالتالي إثباتٌ لعمل المسيح وتعاليمه وسلطانه الإلهي.

وفي حديثه عن موت المسيح وقيامته كينبوع المحبة غير المشروطة قال غبطة البطريرك يونان إنه على الصليب تحقّقت محبّة الله بأسمى درجاتها، تعبيراً عن وفائه لوعده منذ القِدَم، لأنّ جوهره هو المحبّة، ومن هذه المحبّة شعّ نور القيامة، نور الحقّ والحياة. ثم ذكَّر بكلمات البابا الفخري بندكتس السادس عشر "هناك صلة قوية بين الصليب والقيامة لا يمكن للمسيحي أن يتجاهلها، فإذا كان الصليب ثمنَ خطايانا، فالقيامة هي بمثابة علامة على قبول ذبيحة الفداء. إنّها المشاركة في المحبّة غير المشروطة التي يكنّها الله للإنسان، حتى تصبح القيامةُ التعبيرَ الأسمى عن هذه المحبّة، ويتحوّل المؤمن إلى الرسول الحقيقي للمسيح القائم". ثم تابع غبطة البطريرك: إنّ يسوع القائم يهب نفسه لنا عطيةً وهديةً من الله، ويدعونا أن نبذل ذواتنا بدورنا حبّاً معطاءً وسخيّاً للقريب من حولنا، فنكون خميرةً إنسانيةً جديدة.

تأملت الرسالة بعد ذلك في القيامة كإتمام للخلاص وقال غبطة البطريرك إنّنا نفرح في هذا الموسم الروحي ونشكر يسوع فادينا لأنّ الخلاص الذي حقّقه لنا بقيامته في اليوم الثالث هو واقعٌ حيٌّ نعيشه وننعم ببركاته. فنحن "نموت ونقوم مع المسيح في المعمودية" (كو2: 12)، كي نلبس برّ المسيح القائم، ونثبت فيه لنضحيَ تلاميذ حقيقيين له. وقد وعدنا بقوله: "أنا القيامة والحياة، من آمن بي وإن مات فسيحيا، وكلّ من كان حيّاً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد" (يو11: 25-26). ثم تحدث غبطته عن التلمذة ليسوع فقال إنها عيش الشهادة الشجاعة، قولاً وفعلاً، لسرّ الفداء الذي تمّمه، على حدّ تعبير مار بولس: "فإذا شهدتَ بفمك أنّ يسوع ربٌّ، وآمنتَ بقلبك أنّ الله أقامه من بين الأموات، نلتَ الخلاص" (روم10: 9). وهكذا نحبّ المسيح بالقلب والفكر والروح، وندخل في لقاءٍ شخصي فريد معه، فنتغيّر ونتقدّس بجدّة الروح، ونساهم في بناء بشريةٍ متحرّرةٍ من خطايا الاستقواء والاستغلال والأنانية، ونتواصل مع الآخرين بلغة الانفتاح والحوار، فنتكلّم لغةً جديدةً تجمع وتطمئن وتجد الحلول العادلة للأزمات التي تحيط بنا.

خصص غبطة بطريرك السريان الكاثوليك رسالة القيامة بعد ذلك للحديث عن صدى القيامة في عالمنا اليوم. وقال: في عيد القيامة، نجدّد التزامنا بالقيم المسيحية بكلّ أبعادها، لأنّ فادينا يسوع القائم منتصراً على الخطيئة وثمرتها الموت، هو منبع المحبّة وأمير السلام، وهو وحده قادرٌ أن يجمع الأفراد والمجتمعات المتنوّعة في ثقافة المحبّة وسبل الاحترام المتبادل. كم نحتاج إلى السلام الذي أمّن به الفادي تلاميذه الخائفين، كي يُنهي النزاعات المسلّحة والحروب التي ما فتئت تفتك بدول شرقنا المسيحي وتهجّر أولادنا منه، حتّى يكاد هذا الشرق يخلو من شعبه المسيحي الذي هو في أساس تكوينه. ثم توقف غبطة البطريرك يونان عند الأوضاع في لبنان وسوريا والعراق والأردن والقدس والأراضي المقدسة ومصر، كما كرر المطالبة بالإفراج عن جميع المخطوفين وبخاصة مطرانَي حلب بولس اليازجي ومار غريغوريوس يوحنّا إبراهيم، كما وتضرع إلى المخلّص المنتصر على الموت أن يرحم جميع الشهداء، ويهب الجرحى والمصابين الشفاء العاجل، ويمنح العزاء لكلّ من فُجِعَ بفقد عزيز.

ثم ختم غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي رسالة عيد القيامة المجيدة 2019: أيّها المسيح القائم من بين الأموات، هبنا أن نعود إليك بتوبةٍ صادقةٍ، فنعلن البشرى السارّة مع النساء اللواتي ذهبنَ باكراً إلى قبرك، ونتعزّى ونفرح مع الرسل الذين حملوا بشارة قيامتك المجيدة إلى العالم، بقلبٍ متجدّدٍ ملؤه السلام والرحمة. لقد مجَّدتَ الآب بمحبّتك التي بلغت ذروتها على صليب الفداء، فمجّدَك الآبُ بالقيامة والانتصار على الخطيئة والموت. أَشرِكْنا في نعمة محبّتك، لنعيش وصيّة المحبّة الجديدة بكمال الإيمان والرجاء. فلنسمح للروح القدس أن يقود حياتنا، مستنيرين بضياء فجر قيامتك، فتتحرّك خطواتنا بثقةٍ نحوك. وليُحوِّل حنانك ومحبّتك نبض قلبنا الضعيف خفّاقاً بخلاصك وتبريرك.

23 أبريل 2019, 16:56