لويجي ستورسو لويجي ستورسو 

العقيدة الاجتماعية للكنيسة الكاثوليكية في النشاط السياسي

"عندما تُتخذ خيارات تستند إلى نفوذ السلطة ولا إلى المقاسمة الشعبية يُصبح التناغم الاجتماعي عرضة للخطر". هذا ما أكده البابا فرنسيس في رسالة الفيديو التي وجهها إلى المشاركين في مهرجان العقيدة الاجتماعية للكنيسة الكاثوليكية في العام 2016. وما تزال كلمات البابا آنية في وقت تُحيي فيه إيطاليا الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الحزب الشعبي الإيطالي، والتي تشكل مناسبة ملائمة للتأمل بواقع الكاهن الصقلي وبدور العلمانيين الكاثوليك في الحياة السياسية.

مائة سنة مضت على تأسيس هذا الحزب في الثامن عشر من كانون الثاني يناير من العام 1919، من قبل الكاهن الكاثوليكي الصقلي لويجي ستورسو داعيا للانتماء إلى الحزب الجديد جميع الرجال الأقوياء والأحرار، الذين يشعرون بواجب التعاون من أجل تحقيق المصلحة العامة للوطن بعيدا عن الأحكام المسبقة ومشددا في الوقت نفسه على ضرورة تحقيق العدالة والحرية للجميع. وعلى الرغم من مرور قرن على ذلك اليوم ما يزال العديد من الأشخاص في زماننا الحاضر يعتبرون أنه يتعين على القيم التي ميزت الحزب الشعبي الإيطالي أن تلهم نظرتنا إلى الواقع الذي نعيشه.

وقد ارتكز هذا الحزب إلى المبادئ والقيم الخلقية الكاثوليكية لكنه حافظ على الفصل بين الدين والدولة، بين الحياة الدينية والنشاط السياسي. ولهذا السبب بالذات لم يشأ مؤسسه أن تُطلق عليه تسمية الحزب الكاثوليكي الإيطالي، وتضمن شعار الحزب كلمة Libertas أي حرية، لأنها تعبّر بأفضل طريقة عن روح هذا التيار السياسي. وقد أبصر الحزب النور في وقت كانت ما تزال فيه إيطاليا تعاني من نتائج الحرب العالمية الأولى وأراد الكاهن ستورسو أن يوجه اهتمام الإيطاليين نحو التعاون والتعاضد والعدالة الاجتماعية ورأى في هذه المبادئ الثلاثة الدرب الكفيلة بتحقيق الخير العام.

وللمناسبة أجرت "إذاعة الفاتيكان إيطاليا" مقابلة مع المونسنيور أدريانو فينشنسي منسّق مهرجان العقيدة الاجتماعية للكنيسة الكاثوليكية الذي أكد أن الكاهن ستورسو لم يفكّر قط بـ"دولة خلقية" لافتا إلى أن السياسية لا ينبغي أن تقرر المعايير الأخلاقية، بل على العكس يجب أن يتجاوب الحكّام مع ضمير يتخطى المصالح الخاصة والتأييد الشعبي وأصوات الناخبين. إن الكاثوليك الملتزمين في الحقل السياسي مدعوون إلى التجاوب مع حقيقة الإنسان والنمو البشري.

بعدها انتقل المونسنيور فينشنسي إلى الحديث عن الأوضاع السياسية الراهنة اليوم ولفت إلى أن تيارات سياسية عدة تسعى اليوم إلى الاستلهام من الفكر السياسي للويجي ستورسو بغية البحث عن توجّه كاثوليكي في الحقل السياسي. وأضاف أنه في سياق مطبوع اليوم بالتيارات الشعبوية والقومية لا يتمثّل الرد في الاعتدال بل في التركيز على بعد الإنسان الحقيقي. ومن هذا المنطلق لا بد أن يُقدم اقتراح يعرض حلولاً ناجعة حتى وإن لم تبدو هذه الحلول معتدلة.

وكانت مكتبة النشر الفاتيكانية وبالتعاون مع مجمع عقيدة الإيمان قد أصدرت كتيبا يتضمن توجيهات للعلمانيين الكاثوليك الملتزمين في الحقل السياسي، ويحمل الكتيب عنوان "مذكرة عقائدية بشأن عدد من القضايا المتعلقة بالتزام وتصرّف الكاثوليك في الحياة السياسية". وحملت الوثيقة توقيع الرئيس الأسبق لمجمع عقيدة الإيمان يوزيف راتزنغر الذي أصبح لاحقا البابا بندكتس السادس عشر، فضلا عن الرئيس الفخري الحالي لهذا المجمع الكاردينال غيرهارد مولر. ويتضمن الكتيب تعليقات وتوجيهات بشأن عدد من القضايا الرئيسة بينها "مسؤولية السياسي الكاثوليكي" بقلم رئيس الأساقفة رينو فيزيكيلا، "العلمانية والتعددية" للبروفيسور أنخيل رودريغيز لونو، "المسيحيون والديمقراطية والأخلاقيات الطبيعية" للبروفيسور فرنشيسكو داغوستينو وغيرها من المواضيع المشابهة.

18 يناير 2019, 13:12