المدبر الرسولي لبطريركية القدس للاتين رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا المدبر الرسولي لبطريركية القدس للاتين رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا 

عظة المدبر الرسولي بيتسابالا بمناسبة الاحتفال بعيد القديسة مريم والدة الإله ويوم السلام العالمي

كانت الصلة بين ملكوت الله والعمل السياسي محور عظة المدبر الرسولي لبطريركية القدس للاتين رئيس الأساقفة ييرباتيستا بيتسابالا احتفالا بعيد القديسة مريم والدة الإله ويوم السلام العالمي في 1 كانون الثاني يناير 2019، وذلك أيضا في ضوء رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالمي للسلام وعنوانها "السياسة الصالحة هي في خدمة السلام".

بمناسبة الاحتفال بعيد القديسة مريم والدة الإله ويوم السلام العالمي ترّأس المدبر الرسولي لبطريركية القدس للاتين رئيس الأساقفة بيرباتيستا بيتسابالا الاحتفال بالقداس الإلهي في القدس في 1 كانون الثاني يناير. وتحدث في بداية عظته التي نشرها الموقع الإلكتروني للبطريركية عن أننا مع بلوغ رأس السنة نواصل التأمل في "سر الله الذي ظهر طفلا وضيعا صغيرا. هو الخالق أراد أن يصير ابن الإنسان". وتابع أننا نحتفل أيضا "بعيد سيدتنا مريم العذراء والدة الإله، نحتفل بأمومة مريم العذراء، وبأمومة كل امرأة وأم. ومن الجميل أن نتوقف ونتأمل في هذا السر، سر أمومة مريم العذراء، وسر الحياة الذي يمر من خلال الحب في حياة كل امرأة"، كما ونحتفل بيوم السلام العالمي، و"نريد أن نتأمل بصورة خاصة في رسالة قداسة البابا فرنسيس في هذا اليوم". وتوقف المدبر الرسولي هنا عند كون العمل السياسي محور رسالة الأب الأقدس هذا العام، وعنوانها "السياسة الصالحة هي في خدمة السلام". وأراد رئيس الأساقفة بيتسابالا بالتالي الحديث عن الصلة التي تربط بين ملكوت الله والعمل السياسي، وواصل قائلا: "لما وُلد المسيح بيننا وضع في الأرض بداية الملكوت، وصارت مدننا المكان الذي يبني فيه المسيحي بعمله ملكوت الله". كما وأشار إلى كون المجتمع "دائم التحول، وهو دائما في حالة تكوُّن وبناء، لأنه يقوم على علاقات الناس بعضهم ببعض في مدننا". وتابع: "يبيّن لنا يسوع المسيح الملكوت شيئا فشيئا، من خلال آياته وطريقة كلامه الجديدة، ونظرته الجديدة إلى الأمور، التي تثير دهش الجميع، ولا سيما الصغار والمهمشين. والجماعة المسيحية الأولى في القدس توسِّع نوعا ما وتكمِّل معنى الملكوت الذي بدأه يسوع". وتحدث رئيس الأساقفة عن كون الملكوت "هو كل ما يعبِّر عن التجديد المسيحي الكبير، ليس فقط على الصعيد الشخصي بل الاجتماعي أيضا: هو كل ما يتعلق بكرامة الإنسان". وعن بناء الملكوت قال المدبر الرسولي: "هو تأسيس العلاقات على الحرية والمشاركة في المسؤولية المدنية والثقافية والدينية، وعلى قيم المساواة والوحدة والتضامن. بناء الملكوت هو أن يتخلى الفرد عن مصلحة شخصية في سبيل خير أعظم وأعم للجميع. بناء الملكوت هو خلق الإحساس بالانتماء وبحياة الجماعة. هو الحد من قوى الموت والانقسامات التي توجد في كل جماعة، والعمل على تعزيز الثقة بين الناس، وتغذية الأمل دائما وفي كل الظروف، والقوة للعودة إلى العمل والحياة حيثما فُقدت الثقة. هو الالتزام وحث الآخرين على الالتزام. ملكوت الله هو خدمة العدل الذي هو التعبير عن أسمى أشكال الحضارة، ورفض كل مساومة تخل بالعدل والحقيقة. بناء الملكوت هو أن نتعلم المغفرة وإعادة البناء من جديد على أنقاض خطايانا. بكلمة، السلام هو ثمرة علاقات كاملة سليمة وحرة. والسياسة إذًا هي كل ما يبني هذا السلام ويحميه، وهو تنظيم الحياة الاجتماعية في المدينة بموجب هذه المقاييس والقيم".

توقف رئيس الأساقفة بيتسابالا بعد ذلك عند كوننا جميعا مدعوين اليوم إلى "العمل السياسي، بأسمى معنى لهذه الكلمة، أي إلى الدفاع عن السلام ومواجهة الأخطار التي تهدده. الدفاع عنه من مخاطر مختلف أشكال الأنانيات، القومية أو الخاصة، أو الطائفية، أو أية تجمعات أخرى، دينية أو إثنية، كنسية أو سياسية. هو الدفاع عنه من خطر العنف من قِبل من يشعر بنفسه قويا لا يُهزم، أو من يلجأ إلى العنف من يأس لأن حقوقه الأساسية قد هُضمت. هناك أيضا خطر أن ييأس الإنسان من إمكانية إقامة علاقات مبنية على العدل والحوار والمفاوضات، وخطر فقدان الأمل في حياة خالية من المظالم والمصالح الخاصة، وأنه لم يعد ممكنا أن نثق بإنسان". وأراد المدبر الرسولي هنا التذكير بالواقع "في السياق الخاص الذي نعيشه في أبرشيتنا وفي المنطقة كلها"، فتحدث عن مآسٍ "لم نكن نفكر أنها ستحدث يوما في زمننا" وعن تردٍ "في كل العلاقات على كل المستويات، في العلاقات السياسية والثقة الاجتماعية". وتابع: "سنين من المفاوضات فشلت، مشاريع سلام أُعلن عنها ولم تُحقَّق، واقتصاد متجمد. ويمكن أن نستمر في تعداد الويلات والمشاكل غير المحلولة. الصراع أصبح جزءا من طريقة حياتنا، وطريقة تفكيرنا، من تنقلاتنا، وكل مبادرة نتخذها، وكل ما نعمل. هذه الحالة المتجمدة منذ زمن طويل جعلتنا قساة لا نصدق أنه يمكننا يوما أن نكون بناة للملكوت، هنا، في القدس مدينتنا، وفي الأرض المقدسة." ثم حذر المدبر الرسولي من الاستسلام لهذا الموقف وجعلْه "جزءًا من طريقة حياتنا وتفكيرنا" ومن التخلي عن "أن نكون “سياسيِّين” صادقين، أي "بناة إيجابيين لمدينتنا". وأشار هنا إلى أنه "ليس المطلوب أن نقوم بأمور كبيرة" بل يجب أن نحاكي يسوع في أن "نبدأ من “الآخِرين“، نبدأ من بيوتنا ومن جماعاتنا. في مدرستنا وفي أديارنا وفي علاقاتنا الشخصية. نريد أن نبقى واثقين مؤمنين بالإنسان دائما بالرغم من كل الشرور. هذه هي أول طريقة للمساهمة في بناء السلام". وتابع رئيس الأساقفة أن هذا لا يكفي حيث "يجب أن نتكلم بصراحة وحرية، للدفاع عن العدل والوصول إلى قلوب المسؤولين في مدننا، لنخلق فيهم وفي كل مواطن الرغبة والهوى والحنين إلى الملكوت. العمل في سبيل السلام يقتضي أن نُظهر التزامنا نحن في سبيل السلام". ولكننا "وحدنا لا نستطيع أن نعمل شيئا"، ولهذا، واصل المدبر الرسولي مختتما عظته خلال الاحتفال بعيد القديسة مريم والدة الإله ويوم السلام العالمي "نطلب اليوم إلى والدة الله القديسة، وإلى الطفل عمانوئيل، أي “الله معنا“، أن يسندنا. نحن بحاجة إلى توجيه أنظارنا إلى طفل بيت لحم، لأن القوة والشجاعة لبناء السلام في مدينتنا تبدأ هنا في الصلاة والتأمل في الطفل يسوع في بيت لحم. في محبة الصغار تبدأ، لأن الأطفال هم الذين يجددون الحياة في كل بالغ وينعشون فيه الابتسامة والحب الكامن في كل واحد منا، وهم الذي يمكنهم أن يحركوا فينا قوة قد لا نفكر أنها موجودة فينا. كل والد ووالدة يعرف هذا. نسأل طفل بيت لحم، وأمه العذراء مريم وأمنا، أن يضرما وينعشا في كل واحد منا، وفي جماعتنا الكنسية، هذا الحب الذي يمنح الجماعة القوة للبدء دائمًا من جديد، حتى نبني من غير كلل ولا ملل، في جماعتنا المدنية، سلام الملكوت. آمين". 

 

02 يناير 2019, 13:18