البطريرك الماروني الكاردينال الراعي البطريرك الماروني الكاردينال الراعي 

البطريرك الماروني يحتفل بقداس الميلاد بحضور الرئيس اللبناني

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس عيد الميلاد صباح أمس الثلاثاء في الصرح البطريركي في بكركي لبنان بحضور رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون.

ألقى غبطته عظة توجه في مستهلها إلى الرئيس عون قائلاً "نسأل الله أن يبارك خُطاكم ويزيدكم حكمةً في قيادة الوطن الحبيب وسط ما يحيط به من صعوبات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، وما يلحق به من نتائج الحروب والنّزاعات الدّائرة في المنطقة. نحن نشعر معكم بالغصّة، إذ كنتم ترغبون أن تُبهجوا الشّعب اللّبنانيّ وتكمّلوا فرحة العيد بإهداء حكومة جديدة لوطن يُطعن من الدّاخل، ولشعبٍ يتآكله القلق واليأس وفقدان الثّقة بحكّامه".

تابع البطريرك الراعي قائلا "كما يُسعدني أيضًا أن أقدّم أخلص التّهاني والتّمنّيات بالأعياد لكلّ الحاضرين معنا، بل لجميع اللّبنانييّن مقيمين ومنتشرين. وإنّا نصلّي معًا من أجل الاستقرار في وطننا بتأليف حكومة جديدة، والسّلام في بلدان الشّرق الأوسط، وعودة جميع النّازحين واللّاجئين إلى أوطانهم وبيوتهم، حفاظًا على حقوقهم المدنيّة وثقافتهم الوطنيّة وتاريخهم".

هذا ثم أشار غبطته إلى أن "شعبنا اللّبنانيّ ينتظر هديّة العيد: حكومة جديدة بعد انتظار سبعة أشهر كاملة، تخرجه من قلق المعيشة والأزمة الاقتصادية المتسببة بتفكّك العائلة والحياة الزّوجيّة وتدنّي الأخلاق وسقوط معظم شبابنا ضحايا المخدّرات ومروّجيها المحميّين. ونعرف أنّ هذه كانت رغبتكم، فخامة الرّئيس، ورغبة المحبّين حقًّا للبنان وشعبه ومؤسّساته. فكان أنّ أصحاب القلوب الفارغة من الحبّ والمشاعر الإنسانيّة، والولاء للوطن والإخلاص للشّعب، خنقوا فرحة العيد وهذه الرّغبة في القلوب".

تابع البطريرك الراعي عظة الميلاد قائلا "كانت أوّل من أمس ردّة فعل الشّعب المحقّة التي انطلقت بمظاهرات كعلامة غضب ورفضٍ للسّياسة اللّا مسؤولة والمهترئة بالأنانيّة والفساد والمكاسب غير المشروعة وبالجنوح نحو تعطيل مسيرة الدولة. وقد دعوتم منذ يومين، فخامة الرئيس، إلى التّمسّك بالرّجاء ورفض اليأس، فلا بدّ لهذه الظّلمة من أن تنجلي ونحن نؤمن بذلك، فعند ميلاد ابن الله في ظلمة اللّيل الحالك، أشرق من السّماء نور الخلاص كشمس الظّهيرة، وتمّت نبوءة أشعيا: "الشّعب السّائر في الظّلمة أبصر نورًا عظيمًا، والجالسون في أرض الموت وظلاله أشرق عليهم النّور". ومع ذلك نعرف وجعكم واستياءكم أنتم الذين أعلنتم في خطاب القسم أنّ "الأهمّ، في مسؤوليّتكم الأولى، اطمئنان اللّبنانيين إلى بعضهم البعض وإلى دولتهم بأن تكون الحامية لهم، والمؤمِّنة لحقوقهم وحاجاتهم، وأن يكون رئيس الجمهوريّة ضامن الأمان والاطمئنان".

ورأى غبطته أنّ الفرح المعلَن للبشريّة بميلاد الإله إنسان، يعني عودة بهاء الإنسانيّة إلى كلّ إنسان، لكونه مخلوقًا على صورة الله. إنها الأنسنة الجديدة التي لا تتعايش مع الكبرياء والتسلّط والحقد والانانيّة والبغض والظّلم والتّعذيب وفساد القلب وموت الضّمير بخنق صوت الله في أعماق الإنسان. فإذا عاد الإنسان إلى إنسانيّته، دخلت الأنسنة السّياسة فيتوقّف السّياسيّون عن ابتزاز مؤسّسات الدّولة وسلب مالها العام وهدره، وعن قهر المواطنين وحرمانهم حقوقهم، ويجعلون الدستور وحده قاعدة الحكم. ودخلت الاقتصاد فلا يتحوّل سوء استعماله لاستغلال الإنسان ورفع شأن المادّة على حساب كرامته وحقوقه، ولجعل الأغنياء أكثر غنى والفقراء أكثر فقرًا. وإذا عاد الإنسان إلى إنسانيّته دخلت الأنسنة الوزارات والإدارات العامّة فترتدع عن السّرقة والرّشوة والهدر، وتتحرّر من الفساد والمفسدين وطغيان السّياسيّين والمذهبيّين. ودخلت القضاء فيحكم بالعدل والانصاف متحرّرًا من الإغراءات الماليّة والتّدخّلات السّياسيّة والحزبيّة. ودخلت الأنسنة الإعلام ومختلف وسائل التّواصل الاجتماعي، فتكفّ عن بثّ سُمّ الكذب والمأجوريّة وانتهاك الكرامات والافتراء وتوجيه الإساءات. ودخلت المجتمع فينبذ الخلافات والنّزاعات وانحطاط القيم، ويعزّز جوَّ الأُلفة والتّضامن والتّرابط.

وختم البطريرك الراعي عظته الميلادية متوجها إلى رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون والحاضرين قائلا: "فخامة الرئيس، أيها الإخوة والأخوات، هذه هي معاني "الفرح العظيم" الذي بشّر به الملاك لجميع الشعوب ليلة ميلاد فادي الإنسان ومخلّص العالم، يسوع المسيح. بهذا الفرح الذي نلتزم بنشره في حياتنا اليوميّة: في العائلة والمجتمع والكنيسة والدولة، نعلن بالمسرَّة الكبرى: وُلد المسيح!  هللويا!"

26 ديسمبر 2018, 11:36