بحث

مسيحيو الشرق مسيحيو الشرق 

رسالة رعوية لبطاركة الشرق الكاثوليك: مسيحيو الشرق، مخاوف وآمال

أصدر بطاركة الشرق الكاثوليك الرسالة الراعوية الحادية عشرة وقد نُشرت قبل أيام وعنوانها "مسيحيو الشرق اليوم، مخاوف وآمال"، واستهلها البطاركة بكلمات بولس الرسول “يَشتَدُّ عَلَينَا الضِّيقُ مِن كُلِّ جَانِبٍ وَلا نُسحَقُ، نَحَارُ وَلَا نَيأَسُ“(2 قور 4، 8).

وعقب مقدمة توقفت الرسالة، حسب نصها الذي نشره الموقع الإلكتروني لبطريركية القدس للاتين، عند ما يتعرض له الكثير من دول المنطقة من دمار وموت، وأكد البطاركة الكاثوليك رغبتهم في توجيه ثلاث كلمات في هذه الرسالة "واحدة لمؤمني كنائسنا، وواحدة لمواطنينا وحكّام بلداننا، وواحدة لصانعي السّياسة في الغرب ولإسرائيل".

وفي الكلمة الأول الموجهة للمؤمنين تحدثت الرسالة أولا عما وصفتها بالأيام الصعبة مؤكدة أنه من الصعب "أن نوجِّه كلمة إلى مؤمنينا، في الموت الذي أصابهم، وفي تشريدهم وفي كلّ الآلام التي تحمَّلوها. أمام كلّ هذا، أبلغ كلمة هي الصمت. ونصمت أيضًا أمام سرّ الله وسرّ محبّته تعالى الذي لا ندركه، مع كلّ الشرور التي تغمرنا. كلمتنا صمت وإجلال أمام معاناة مؤمنينا، ومعهم ومع صاحب المزامير نصلّي ونقول: «إلَى مَتَى، يَا رَبّ؟» (مزمور ٦:٤)، «تَطَلَّعْ مِنَ السَّمَاءِ وَانظُرْ، وافتقِدْ هَذِهِ الكَرمَةَ، وَاحْمِ مَا غَرَسَتْ يَمِينُكَ» (مزمور ١٥:٨٠). وتابع البطاركة "وبعد الصمت والسجود والتسليم لمشيئته تعالى، نحمده على كلّ شيء، فهو الساهر بعنايته الإلهيّة على كنيسته التي في الشّرق وعلى كلّ فرد مِنَّا، وعلى العالم كلّ". ثم توقفوا عند الإيمان: "نؤمن، ونحن نعلم أنّ الإيمان صعب، بينما تغشانا ظلمات هذا العالم ومظالمه. نرى شقاء الأرض، نرى قسوة الناس، بعضهم على بعض وعلينا. نعيش في زمن موت واستشهاد. وننظر إلى صلاح الله، ونسأله تعالى القوّة لقبول نعمته. نسأله أن يرافقنا، سواء حضرت ساعة شهادة الدم، أم بقينا في بيوتنا وكنائسنا المهدَّمة، أم تشتَّتْنا في أنحاء العالم. نسأله القوّة لنبقى مؤمنين به، وبصلاحه. ومع الموت الذي نتعرَّض له، نؤمن أنّ الله ما زال يرسلنا في بلداننا أو في العالم، وفينا صلاح من صلاحه، وقوّة من قوّته، ومحبَّة من محبَّته للعالم كلّه". وتابعت الرسالة الكلمة إلى المؤمنين متحدثة عن الهجرة، وذكر البطاركة في هذا السياق إن "أفضل مساعدة تُقدَّم لمؤمنينا هي أن يبقوا في بلدانهم، فلا تُثار فيها الفوضى والاضطرابات وأنواع العنف التي تضطرُّهم إلى الهجرة". ووجهت الرسالة الدعوة إلى المؤمنين: " اثبتوا في إيمانكم وفي أوطانكم وساهموا في بنائها، سواء بقِيتُم فيها أم أُجبِرتم على هجرها. نحن عدد قليل، ولكنَّنا «ملح ونور وخميرة»، ونحن كنيسة شهداء. كونوا مؤمنين محِبِّين بمثل محبّة الله لكلّ خلقه. وكونوا مؤمنين، وكونوا أقوياء بالمحبّة. وكونوا بناة لأوطانكم مع كلّ مواطنيكم، مشاركين في كلّ الآلام والتضحيات، من أجل ترقّيها وازدهارها. كونوا في قلب بلادكم صُنَّاعًا لتاريخها مهما كانت قسوة الناس أو الأحوال". قضية أخرى تضمنتها الكلمة الموجهة إلى المؤمنين هي شهداؤنا وماذا يقولون لنا، وجاء في الرسالة: "شهداؤنا بذلوا حياتهم لمجد الله، ولمزيد من المحبّة والإنسانيّة في هذه الأرض التي تحوَّلت إلى أرض قتلة. بذلوا دماءهم ليعود القتلة، القريبون أو البعيدون والمقنَّعون، بقوّة دم الشهداء إلى إنسانيّتهم، كما خلقهم الله، قادرين على الحبّ، لا على القتل. شهداؤنا يُسمِعوننا كلمة المسيح الفادي تهدينا وتثبِّتنا في إيماننا: «ستُعَانُونَ الشِّدَّةَ فِي العَالَمِ، وَلَكِن ثِقُوا إِنِّي غَلَبْتُ العَالَم» (يوحنا ٣٣:١٦). فلا تَضطَرِبْ قُلُوبُكُم وَلا تَفزَعْ (يوحنا ٢٧:١٤).

ثم تأتي الكلمة الموجهة إلى مواطنينا وحكامنا والتي تطرقت إلى قضايا عديدة فدعت "المسيحيّين والمسلمين والدروز معًا إلى أنْ يتحمَّل كلّ واحد مسؤوليّته في تنظيم شؤون بلداننا، وفي التعامل مع الغرب، ومواجهة الدمار والانقسامات التي يريد أن يفرضها علينا". وفي حديثهم إلى الحكام دعا البطاركة إلى ضرورة اجتثاث الفقر كما توقفوا عند أهمية الحرية، وجاء في هذا السياق: "من واجب الحاكم أن يثبّت الحكم ويوفّر الأمن والاطمئنان للجميع. ولكن لا يجوز له، أيًّا كان نوع الحكم، أن يستبدّ، فيُذِلّ إنسانًا أو يقتله بسبب حرّيّته. للحرّيّة طبعًا حدود، وحدودها خير الفرد نفسه وخير الجماعة". شددت الرسالة أيضا على الحاجة إلى "قيادات سياسية مستقلة عن الضغوطات والتخطيطات الخارجية...تستمد قوتها من شعبها لأنها تحترم حريته وكرامته"؟ وتحدث البطاركة أيضا عن حاجة المنطقة إلى "قيادات تبني السلام لنفسها وللبلدان المجاورة". ثم انتقل الحدي إلى الدولة المنية والتي على الحكام ان يبنوها، "دولة تساوي بين المواطنين"، دولة "يشعر فيها كلّ مواطن أنّه في وطنه وأنّه مساوٍ لجميع مواطنيه، وكلُّ فرص الحياة والحكم والعمل متاحة له، مهما كان دينه". وتابعت الرسالة متحدثة عن القيادات الدينية، ومن بين ما ذُكر في هذا السياق "نتطلّع إلى قيادات دينيّة ذات رؤى جديدة، قيادات دينيّة مسيحيّة وإسلاميّة ودرزيّة، يجمعها الإيمان بإله واحد، رحيم ومحِبٍّ للبشر. تعمل في جهد واحد على تكوين إنسان محِبٍّ للآخر، أيًّا كان دينه". وتطرق الحديث أيضا إلى الحاجة إلى "تربية جديدة لتكوين إنسان جديد. الدولة مسؤولة، والكنيسة مسؤولة، والمسجد مسؤول". وأكد البطاركة: "نحن بحاجة إلى تربية دينيّة ومدنيّة جديدة تربّي المؤمن فتقول له إنّك أوّلاً إنسان وخليقة ربّك، وكلّ إنسان آخر هو مثلك خليقة الله. كلُّنا بالخلق إخوة، وكلُّنا في الوطن سواء".

أما الكلمة الثالثة والموجهة إلى صانعي السياسة في الغرب وإسرائيل فأراد في بدايتها البطاركة الكاثوليك التفرقة بين الغرب شعوبا صديقة وحضارات عريقة وإنجازات إنسانية كيرة والغرب صانعي القرار السياسي. وتابعت الرسالة أن "الموجِّه لهذه السياسة الغربيّة هي مصالحهم الاقتصاديّة والاستراتيجية في المنطقة، على حساب مصالح بلادنا". وتحدثت عن سياسة دمار وأضافت: "سياسة الدمار الغربيّة هذه في الشّرق هي نفسها التي تسبَّبت بقتل وتهجير الملايين من بلداننا، بمن فيهم المسيحيّون. وبهذه السياسة نفسها ظهر الإرهاب واستقرّ في بلداننا وارتدّ على الغرب نفسه الذي ولَّده". وتوقف البطاركة في هذه الكلمة عند إسرائيل والسلام في المنطقة مشددين على أن بقاء إسرائيل لا يمكن أن يكون "على حساب بقاء الشعب الفلسطيني"، وطالبوا بإبقاء القدس في قدسيتها وأضافت الرسالة: "لا تجعلوها مدينة حرب. فهي مدينة مقدّسة للديانات الثلاث وعاصمة للشعبَين. مَن أحبّ المدينة المقدّسة جعلها مدينة سلام. أعيدو السلام إلى القدس وإلى فلسطين وإسرائيل والمنطقة كلّها".

وفي ختام الرسالة أكد بطاركة الشرق الكاثوليك: "نحن بحاجة إلى شرق أوسط جديد لا يصنعه غيرنا، بل نصنعه نحن أهله، ولا يكون بتبديل حدوده وجغرافيّته وشعوبه، بل بتبديل القلوب. الشّرق بكلّ أهله هو الذي يصنع الشّرق، ولا يمليه عليهم الغرب". وسأل البطاركة الله "أن يملأنا جميعًا بروحه، ويلهم الجميع، المسيحيّين والمسلمين والدروز في كلّ بلداننا، والغرب السياسيّ وإسرائيل، فيصبح الجميع صانعي سلام وبناة للإنسانيّة والمحبّة في الشرق الأوسط وفي العالم كلّه. “أرسِلْ رُوحَكَ، يَا رَبّ، ليُجَدِّدَ وَجهَ الأَرضِ“".

هذا وتحمل الرسالة الراعوية توقيع كل من:

إبراهيم اسحاق سدراك، بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك.

الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة.

مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الأنطاكي.

يوسف العبسي، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيّين الكاثوليك.

الكردينال مار لويس روفائيل ساكو، بطريرك بابل على الكلدان.

كريكور بدروس العشرون، كاثوليكوس بطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك.

وليم شوملي، ممثّل صاحب السيادة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا، المدبّر الرسولي لبطريركية القدس للاتين

06 أغسطس 2018, 11:02